حدث مخارق، قال: بينا أنا عند المأمون ذات يوم إذ قام فدخل إلى حرمه، وخرج وعيناه تذرفان، فقال: يا مخارق غن بهذين البيتين: " من الطويل "
وما استطعت توديعاً له بسوى البكا ... وذلك جهد المستهام المعذب
سلام على من لم يطف عند بينه ... سلاماً فأومى بالبنان المخضب
فحفظتهما، وتغنيت بهما، فجعل يبكي بكاءً شديداً، ثم قال: أتدري ما قصتي؟ قلت: أمير المؤمنين أعلم. قال: إني دخلت إلى بعض المقاصير فرأيت جارية لي كنت أحبها حباً شديداً، وهي بالموت، فسلمت عليها، فلم تطق رد السلام، فأومت بأصبعها، فغلبتني العبرة، فخرجت من عندها وحضرني أن قلت لك هذين البيتين. فقلت: يطيل الله تعالى عمر أمير المؤمنين، ولا يفجعه بأحبته، ويبقيي له من يحب بقاءه، فما هو شيء يفتدى، وأمير المؤمنين يفديه جميع عبيده.
عن أحمد بن محمد الطوسي، عن أبيه، قال: سمعت مخارقاً المغني قال: طفلت تطفيلة قامت على أمير المؤمنين المعتصم بمئة ألف درهم. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: سهرت مع المعتصم ليلة إلى الصبح، فلما أصبحنا قلت له: يا سيدي، إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي فأخرج فأتنسم في الرصافة إلى وقت يشاء أمير المؤمنين. فأمر البوابين فتركوني.
قال: فجعلت أمشي في الرصافة، فبينا أنا أمشي إذ نظرت إلى جارية كأن الشمس تطلع من وجهها، فتبعتها، ومعها زبيل مشارب، فوقفت على صاحب فاكهة فاشترت منه سفرجلة بدرهم، وكمثراة بدرهم، وتبعتها، فالتفتت فرأتني خلفها أتبعها، فقالت لي: ياابن الفاعلة - لا تكني - إلى أين؟ قلت: خلفك يا سيدتي. فقالت لي: ارجع يا ابن الفاعلة لا يراك أحد فتقتل. قال: ثم التفتت بعد فنظرت إلي. قال: فشتمتني ضعف ما شتمتني في المرة الأولى، ثم جاءت إلى باب كبير فدخلت فيه.