ألا فانظروا رجلاً منكم وسيطاً عظاماً حساماً أبيض بضاً، أوطف الأهداب، سهل الخدين، أشعر العرنين، له فخر يكظم عليه وسنة تهدى إليه، فليخلص هو وولده، وليهبط إليه من كل بطن رجل، فليسنوا عليهم الماء، وليمسوا من الطيب، ثم ليتسلموا الركن، ثم ليرتقوا أبا قبيس، ثم ليدع الرجل وليؤمن القوم، فغثتم ما شئتم.
فأصبحت - علم الله - مذعورة، قد اقشعر جلدي ووله عقلي، فاقتصصت رؤياي، ونمت في شعاب مكة في الحرمة والحرم، ما بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد؛ وتناهت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فسنوا، ومسوا، واستلموا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفقوا حوله، ما يبلغ سعيهم مهلة، حتى إذا استوى بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام قد أيفع أو كرب، فرفع يديه وقال: لاهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت معلم غير معلم، ومسؤول غير مبخل، وهذه عبداؤك وإماؤك بغدران حرمك يشكون إليك سنتهم، أذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم وأمطرن غيثاً مغدقاً مريعاً.
فوالكعبة ما زالوا حتى تفجرت السماء بمائها، واكتظ الوادي بثجيجه؛ فسمعت شيخان قريش وجلتها عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء، أي عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة:" من البسيط "
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر
فجاد بالماء جوني له سبل ... سحا فعاشت به الأنعام والشجر
منا من الله بالميمون طائرة ... وخير من بشرت يوماً به مضر
مبارك الأمر يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر
عن مخرمة بن نوفل، قال: لما لحقنا بالشام أدركنا رجل من جذام فأخبرنا أن محمداً قد كان عرض لغيرنا في