حدث النضر بن حيى، قال: وقبل أن ينصرف ابن بيهس في علته إلى حوران، جمع رؤساء بني نمير فقال لهم: قد كان من علتي ما ترون، فارفقوا ببني مروان بن الحكم، وألطفوا بهم، وعليكم بمسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، فإنه ركيك، وهو ابن أختكم، فأعلموه أنكم لا تثقون به وتبايعونه، ثم أنشدهم:" من البسيط "
كيدوا العدو بأن تبدوا مباعدتي ... ولا تنوا في الذي فيه لهم تلف
وكاتبوا بما تأتون من هنة ... حتى تكون إلي الرسل تختلف
فاجتمعت بنو نمير إلى مسلمة بن يعقوب فكلموه وبذلوا له البيعة، فقل منهم، وجمع مواليه وأهل بيته فدخل على أبي العميطر في الخضراء كما كان يدخل للسلام عليه، وقد أعد لحجاب أبي العميطر عدادهم، فلما سلم عليه وجلس معه في الخضراء بض على أبي العميطر فشده في الحديد، وبعث ىالرؤساء بني أمية على لسان أبي العميطر يأمرهم بالحضور فجعل كل من دخل يقال له: بايع، والسيف على رأسه، فيبايع؛ وأدنى مسلمة القيسية ولبس الثياب الحمر وجعل أعلامه حمراً، وأقطع بني أمية ضياع المرج، وجعل لكل رجل من وجوه قيس بمدينة دمشق منزلاً وولاهم، فقال له أبو العميطر يوماً، وقد دعا به وهو مقيد، فنظر إلى قيس في الثياب الحمر، ومسلمة كذلك، فقال له: لو حمرت استك كان خيراً لك؛ فأمر به فسحب. وخرج ابن بيهس من الصلة، فجمع جماعة وأقبل يريد دمشق، فقال مسلمة بن يعقوب لمن معه من هوزان: هذا صاحبكم يريد بنا ما فعل بأبي العميطر. فقالوا له: ما هو لنا بصاحب، وما يعرف غيرك، وهذه سيوفنا دونك؛ وأنشده بعضهم:" من الوافر "
ستعلم نصحنا إن كان كون ... وتعلم أننا صبر كرام
حماة دون ملكك غير ميل ... إذا ماجد بالحرب احتدام
وسوف نريك في الأعداء ضرباً ... يطير سواعد منهم وهام
وطعناً في النحور بدابلات ... طوال في أسنتها الحمام