فوثق بهم مسلمة وتزيد في برهم، وأقبل ابن بيهس حتى نزل قرية الشبعاء، وأصبح غادياً إلى مدينة دمشق، وصاح الديدبان بالسلاح، وخرج مسلمة وخرجت معه القيسية، فقاتلوا ذلك اليوم مع مسلمة قتالاً شديداً، وكثرت الجراحات في الفريقين، وانصرف ابن بيهس وقد ساء ظنه بقيس، فكتب إليه:" من الوافر "
سيكفي الله وهو أعز كاف ... أمير المؤمنين ذوي الخلاف
وكل مقدار في اللوح يأتي ... وكل ضبابة فإلى انكشاف
وما أنا بالفقير إلى نصير ... وى الرحمن والأسل العجاف
وعندي في الحوادث صبر نفس ... على المكروه أيام الثقاف
وعن حق أدافع أهل جور ... وشتى بين قصد وانحراف
فهابت القيسية على أنفسها، فدخلوا على مسلمة فكلموه على وجه النصيحة له، وقد أضمروا الغدر به؛ فقالوا له: نرى أن نخرج إلى ابن بيهس فنسأله الرجوع عنا وحقن الدماء بيننا، فإن فعل وإلا ثبطنا أصحابنا عنه ومن أطاعنا، واستلمنا من قدرنا عليه، فقال لهم: الصواب ما رأيتم؛ وطمع أن يفوا له، ولم يكن تهيأ لهم ما أرادوا بمدينة دمشق؛ فخرجوا إلى ابن بيهس فباتوا عنده وأحكموا الأمر معه، وصبح دمشق بالخيل والرجالة والسلالم، ونشب القتال، وصعد أصحاب ابن بيهس السور بناحية باب كيسان، فلم يشعر بهم أصحاب مسلمة إلا وهم معهم في مدينة دمشق، فأجفلوا هرباً إلى مسلمة، فدعا بأبي العميطر ففك عنه الحديد، ولبسا ثياب النساء وخرجا مع الحرم من الخضراء، وخرجا من باب الجابية حتى أتوا المزة، ودخل ابن بيهس مدينة دمشق يوم الثلاثاء لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة وغلب عليها، فلم يزل يحارب أهل المزة وداريا وهو مقيم بدمشق أميراً متغلباً عليها إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق سنة ثمان