برد فائق لها، فقال: إن أعطيته أحداً منهم غضب أصحابه ورأوا أني فضلته عليهم، فدلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة أعطيه إياها. فأسموا له المسور بن مخرمة، فدفعه إليه، فنظر إليه سعد بن أبي وقاص على المسور، فقال: ما هذا؟ فقال: كسانيه أمير المؤمنين. فجاء سعد إلى عمر فقال: تكسوني هذا البرد وتكسو ابن أخي مسوراً أفضل منه. قال له: يا أبا إسحاق، إني كرهت أن أعطيه أحداً منكم فيغضب أصحابه، فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة لا يتوهم فيه أني فضلته عليكم. فقال سعد: فإني قد حلفت لأضربن بالبر الذي أعطيتني رأسك. فخضع له عمر رأسه، وقال: عندك يا أبا إسحاق، وليرفق الشيخ بالشيخ. فضرب رأسه بالبرد.
عن المسور: أنه خرج تاجراً إلى سوق ذي المجاز أو عكاظ، فإذا رجل من الأنصار يؤم الناس أرت أو ألثغ فأخره وقدم رجلاً، فغضب الرجل المؤخر فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن المسور أخرني وقدم رجلاً. فغضب عمر وجعل يقول: واعجباً لك يا مسور؛ وجعل يرسل إلى بيته.
فلما قدم المسور أخبر بذلك، فأتاه. فلما رآه طالعاً قال: واعجباً يا مسور. فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين، فوالله ما أردت إلا الخير. قال: وأي خير في هذا؟ فقال: إن سوق عكاظ - أو ذا المجاز - اجتمع فيها ناس كثير، عامتهم لم سمع القرآن، وكان الرجل أرت أو ألثغ فخشيت أن يتفرقوا بالقرآن على لسانه، فأخرته وقدمت رجلاً عربياً بيناً. فقال عمر: جزاك الله خيراً.
عن عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة أخبره أنه قدم وافداً على معاوية بن أبي سفيان، فقضى حاجته، ثم دعاه فأخلاه، فقال: يا مسور، فافعل طعنك على الأئمة؟ قال مسور: دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له. قال معاوية: لا والله لا تكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي. قال لمسور: فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له. فقال معاوية: لا براء من الذنب، فهل تعد يا مسور مما تلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر