ابن عباس سأله المال - وكان عمال البصرة يحملون من كور البصرة إلى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى علي - فقال له: نعم، انظرني أياماً، ثم أقبل حتى أتى علياً، فأقره علي أياماً ثم سأله المال، فأدى إليه مئتي ألف، ثم إنه عجز عنها ولم يقدر عليها.
قال ذهل ابن الحارث: دعاني مصقلة إلى رحلة، فقدم عشاؤه، فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين ليسألني هذا المال وما أقدر عليه. فقلت: والله ما كنت لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد. ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها - أو ابن عفان - لتركها لي، ألم تر ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مئة ألف في كل سنة. فقلت له، إن هذا لا يرى ذاك الرأي، لا والله ما هو بتارك شيئاً. فسكت ساعة، وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية. وبلغ ذلك علياً فقال: ما له - برحه الله - فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر! أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئاً أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه. ثم سار علي إلى داره فهدمها، وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعياً، ولعلي مناصحاً، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال له: حلوان: أما بعد، فإني كلمت معاوية فيك، فوعدك الإمارة، ومناك الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي إن شاء الله، والسلام.
فيأخذه مالك بن كعب الأرحبي، فيسرحه إلى علي، فأخذ كتابه فقرأه، فقطع يده فمات، وكتب نعيم إلى مصقلة:" من البسيط "
لا ترمين هداك الله معترضاً ... بالظن منك فما بالي وحلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع ... وهو البعيد فلا يحزنك إن خانا
ماذا أردت إلي بإرساله سفهاً ... ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا
حتى تقحمت أمراً كنت تكرهه ... للراكبين له سراً وإعلانا
عرضته لعلي إنه أسد ... يمشي العرضنة من آساد خفانا
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع ... تحمي العراق وتدعى خير شيبانا