ومعاوية قائم بين يديه، فأتي برجل، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! هذا يذكرنا وينتقصنا. فكأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهر الرجل - قال الحميدي: وكنت أعرف الرجل - فقال الرجل: أما هؤلاء فلا، ولكن هذا - يعني معاوية - فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويلك! أو ليس معاوية من أصحابي؟! ويلك أو ليس معاوية من أصحابي؟! - ثلاثاً - وفي يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حربة، فدفعها إلى معاوية وقال: جأ بهذه في لبته. فوجأ بها في لبته؛ وانتبهت، فبكرت إلي منزل الرجل، فإذا الذبحة قد طرقته ومات في الليل.
قال أبو عمرو: بلغني أن هذا الرجل راشد الكندي.
قال إبراهيم بن الأشعث: ما سمعت الفضيل قط ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح إلا بكى وتنفس، أو رئي فيه الحزن. وكان إذا ذكر علياً وعثمان دمعت عيناه وأكثر الترحم عليهما، وسمعته يترحم على معاوية ويقول: كان من العلماء الكبار، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن ابتلي بحب الدنيا.
قال العتبي: قيل لمعاوية: أسرع إليك الشيب. فقال: كيف لا يسرع إلي الشيب، ولا أعدم رجلاً من العرب قائماً على رأسي، يلقح لي كلاماً يلزمني جوابه، فإن أنا أصبت لم أحمد وإن أنا أخطأت سارت به البرد.
وعن معاوية قال: لقد نتفت الشيب كذا وكذا سنة. وكان يخرج إلى مصلاه ورداؤه يحمل، فإذا دخل مصلاه جعل عليه، قال: وذاك من الكبر. ودخل عليه إنسان وهو يبكي فقال: ما يبكيك؟ قال: هذا الذي كنتم تمنون لي.