ومن حديثين، عن عبادة بن نسي، وثمامة بن كلثوم: أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال: أيها الناس! إني من زرع قد استحصد، وقد طالت إمرتي عليكم حتى مللتموني ومللتكم، وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي إلا من هو شر مني، كما كان من قبلي خيراً مني، وقد قيل: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحب لقائي؛ ويا يزيد! إذا وفى أجلي فول غسلي رجلاً لبيباً، فإن اللبيب من الله بمكان فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة، فيه ثوب من ثياب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني، واجعل الثوب يلي جلدي دون أكفاني؛ ويا يزيد! احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي، ووضعتموني في حفرتي فخلوا معاوية وأرحم الراحمين.
وفي رواية: وقطعوا تلك القلامة، واسحقوها واجعلوها في عيني، فعسى.
كان أبو هريرة يمشي في سوق المدينة وهو يقول: اللهم لا تدركني سنة الستين، ويحكم، تمسكوا بصدغي معاوية، اللهم لا تدركني إمارة الصبيان.
ولما احتضر معاوية جعل يقول: من الطويل
لعمري لقد عمرت في الملك برهة ... ودانت لي الدنيا بوقع البواتر
وأعطيت جم المال والحكم والنهى ... وسلم قماقيم الملوك الجبابر
فأضحى الذي قد كان مما يسرني ... كحلم مضى في المزمنات الغوابر
فيا ليتني لم أعن في الملك ساعة ... ولم أعن في لذات عيش نواضر