قال سعيد بن حريث: لما كان الغداة التي مات معاوية في ليلتها فزع الناس إلى المسجد، ولم يكن خليفة قبله في الشام غيره، فلما ارتفع النهار وهم يبكون في الخضراء، وابنه يزيد غائب في البرية، وهو ولي عهده، وكان خليفته على دمشق الضحاك بن قيس إذ قعقع باب النحاس الذي يخرج إلى المسجد من الخضراء، فدلف الناس إلى المقصورة، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا رجل على يده اليسرى ثياب ملفوفة، فإذا هو الضحاك بن قيس، فاتكأ على المنبر بيده اليسرى، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إني قائل لكم قولاً، فرحم الله امرأ وعى ما سمع مني، تعلمون أن معاوية كان حد العرب، مكن الله له في البر والبحر، وأذاقكم معه الخفض والطمأنينة، ولذاذة العيش - وأهوى بيده إلى فيه - وإنه هلك رحمه الله وهذه أكفانه على يدي ونحن مدرجوه فيها ودافنوه وإياها، ثم هي البلايا والملاحم والفتن، وما توعدون إلى يوم القيامة.
ثم دخل الخضراء، فلم يخرج إلا لصلاة الظهر، فصلى ثم أخرجوا جنازة معاوية،