جاء قوم إلى المهدي يتظلمون من عباد الوصيف، فأغلظ لهم المهدي، فخرج شيخ وهو يقول: ليسمع المهدي ومن حضر، اللهم لا صبر لنا على أناتك، وأتينا هذا وأيسنا من عزل عباد، فاعزله أنت عنا يا أرحم الراحمين. قال: فمات عباد من ليلته.
وصف رجل أبا عبيد الله كاتب المهدي فقال: ما رأيت أوفر من حلمه، ولا أطيش من قلمه.
أبلى أبو عبيد الله مصليين وأشرع في الثالث - أو ثلاثة وأشرع في الرابع - موضع الركبتين والوجه والقدمين لكثرة صلاته؛ وكان له كل يوم كر دقيق يتصدق به على المساكين وكان يلي ذلك مولى له، فاشتد الغلاء فقال له: قد غلا السعر، فلو نقصنا من هذا. فقال: أنت شيطان - أو رسول شيطان - صيره كرين، فكان له في كل يوم كران يخبزان للمساكين. ويوم مات امتلأ الجسور، قلما يعبر عليها إلا من تبع جنازته من مواليه واليتامى والأرامل والمساكين.
بعث أبو عبيد الله إلى عبد الله بن مصع بألفي دينار صلة، وعشرين ثوباً، فلم يقبلها. وكتب إليه: أن لو كان قابلاً من سوى الخليفة قبلها، وكتب إليه: أصلحك الله وأمتع بك، ما لسببك ومناحتك آخيناك، ولا لاستقلال ما بعثت به والسخط له كان ردنا إياه عليك، ولكنا آخيناك ووددناك وشكرناك لفضلك ونبلك، وقسم الله لك في رأيك ومعرفتك ورعايتك حق ذوي الحقوق؛ ولقد أصبحت عندنا بالمنزل الذي لا يزيدك فيه صلة وصلتنا بها، ولا يضرك ردناها.
قال عبد الأعلى بن أبي المساور: دخلت الديوان في خلافة المهدي وأبو عبيد الله جالس في صدر الديوان، فسلمت فرد علي، وما هش إلي ولا حفل بي، فجلست إلى بعض كتابه، فقلت: حدثنا الشعبي