للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسمعني أبو عبيد الله فقال لي: رأيت الشعبي؟ فقلت: نعم ورأيت أبا بردة بن أبي موسى وهو خير من الشعبي! فقال: ارتفع ارتفع، كتمتنا نفسك حتى كدت أن تلحقنا ذماً لا ترحضه المعاذير. ثم أقبل علي واشتغلبي حتى فرغت من حاجتي وانصرفت بشكره.

قال عمران بن شهاب الكاتب: استعنت على أبي عبيد الله في أمر ببعض إخوانه، فلما قام قال لي: لولا أن حقك حق لا يحد ولا يضاع لحجبت عنك حسن نظري، أظننتني أجهل الإحسان حتى أعلمه، ولا أعرف موضع المعروف حتى أعرفه؟! لو كان ما ينال ما عندي إلا بغيري لكنت بمنزلة البعير الذلول، عليه الحمل الثقيل، إن قيد انقاد وإن أنيخ برك، لا يملك من نفسه شيئاً. فقلت: معرفتك بمواقع الصنائع أثقب من معرفة غيرك، ولم أجعل فلاناً شفيعاً، إنما جعلته مذكراً. فقال لي: فأي اذكار لمن رعى حقك أبلغ من تسليمك عليه ومصيرك إليه؟ إنه متى لم يتصفح المأمول أسماء مؤمليه بقلبه غدواً ورواحاً لم يكن للآمل محلاً، وجرى القدر لمؤمليه على يديه بما قدر وهو غير محمود على ذلك ولا مشكور، وما لي إمام أدرسه بعد وردي من القرآن إلا أسماء رجال التأميل لي، وما أبيت ليلة حتى أعرضهم على قلبي؛ فلا تستعن على شريف إلا بشرفه، فإنه يرى ذاك عنياً لمعروفه.

ومن شعر أبي عبيد الله: من البسيط

لله دهر أضعنا فيه أنفسنا ... بالجهل لو أنه بعد النهى عادا

أفسدت ديني بإصلاحي خلافتهم ... وكان إصلاحها للدين إفسادا

ما قربوا أحداً إلا ونيتهم ... أن يعقبوا قربة بالغدر إبعادا

<<  <  ج: ص:  >  >>