قال جعفر بن يحيى: أخبرني الفضل بن الربيع أن الموالي كانوا يشنعون أبا عبيد الله عند المهدي، ويسعون عليه عنده، وكانت كتب أبي عبيد الله تنفذ إلى المنصور بما يدبر من الأمور، ويتخلى الموالي بالمهدي، فيبلغونه عن أبي عبيد الله ويحرضونه عليه. قال الفضل: وما كانت كتب أبي عبيد الله إلى أبي تترى، يشكو الموالي وما يلقى منهم، فلا يزال يذكره عند المنصور ويخبره، ويستخرج الكتب إلى المهدي بالوصية به وترك القبول فيه، ولما رأى أبو عبيد الله غلبة الموالي على المهدي وخلوهم به، نظر إلى أربعة رجال من قبائل شتى من أهل الأدب والعلم، فضمهم إلى المهدي، فكانوا في صحابته، فلم يكونوا يدعون الموالي يتخلون به، ثم إن أبا عبيد الله كلم المهدي في بعض أموره إذ اعترض رجل من هؤلاء الأربعة في الأمر الذي تكلم فيه، فسكت أبو عبيد الله، فلم يراده وخرج، فأمر بحجبه عن المهدي، فحجبه عنه، وبلغ خبره أبي.
قال: وحج أبي مع المنصور في السنة التي مات فيها، وقام أبي من أمر المهدي بما قام به من أمر البيعة وتجديدها على أهل بيت أمير المؤمنين، والقواد، والموالي؛ فلما قدم تلقيته بعد المغرب، فتجاوز منزله وترك دار المهدي ومضى إلى أبي عبيد الله، فقلت له: تترك أمير المؤمنين ومنزل أهلك وتأتي أبا عبيد الله؟! قال: يا بني! هو صاحب الرجل، وليس ينبغي أن نعامله على ما كنا نعامله عليه، ولا أن نحاسبه بما كان منا في أمره من نصرتنا له، فمضينا حتى أتينا باب أبي عبيد الله، فما زال واقفاً حتى صليت العتمة، فخرج الجاجب فثنى رجله وثنيت رجلي، فقال: إنما استأذنت لك يا أبا الفضل وحدك. قال: اذهب فأخبره أن الفضل معي. ثم أقبل علي فقال: وهذا أيضاً من ذلك. فخرج الحاجب فأذن لنا فدخلنا فإذا أبو عبيد الله في صدر المجلس على مصلى متكئ على وسادة، فقلت: يقوم إلى أبي إذا دخل عليه، فلم يقم، فقلت: يستوي جالساً، فلم يفعل، فقلت: يدعو له بمصلى، فلم يفعل، فجلس بين يديه على البساط وهو متكئ، فجعل يسائله عن مسيره وسفره وحاله، وجعل أبي يتوقع أن يسأله عما كان منه في أمر المهدي