فيه طلاء. فأتى معبداً وهو بالعقيق، فأعرض عنه معبد فلم يكلمه، فقال له الأحوص: يا أبا عباد أتهجرني؟! وجعلت زوجته تقول: أتهجر أبا محمد مع حسن أياديه؟! ولم تزل به حتى رضي عنه. فنزل الأحوص عن راحلته واحتمل معبداً على عنقه حتى أدخله منزله وقال: والله لأسمعن في بيتك الغناء، ولأشربن الطلاء، ولآكلن الشواء. فقال له معبد: قد والله أخزاك، هذا الشواء أكلته، وهذا الغناء سمعته، فأين الطلاء؟ قال: هو هذا خلف راحلتي أردفتها إياه فأنزله في ذلك المذرع - وهي شيء من أدم يجعل فيه النبيذ - وخذ الدنانير التي تحت وطاء الرحل فاشتر بها طعاماً. ففعل، فقالت زوجته أم كردم لمعبد: أي عدو نفسه! أتغضب على من إن جاءنا ملأنا فضلاً، وإن تولى أغدر فينا نعماً! قبح الله رأيك. فأقام الأحوص عنده حتى صلى العصر، ثم رحل إلى المدينة فمر بين الدارين في المصلى يميل بين شعبتي رحله.
قال كردم بن معبد المغني مولى ابن قطن: مات أبي وهو في عسكر الوليد بن يزيد، وأنا معه، فنظرت حين أخرج نعشه إلى سلامة جارية يزيد بن عبد الملك، وقد أضرب الناس عنه ينظرون إليها وهي آخذة بعمود السرير وهي تندب أبي وتقول: من مجزوء الرمل
قد لعمري بت ليلي ... كأخي الداء الوجيع
ونجي الهم مني ... بات أدفى من ضجيعي
كلما أبصرت ربعاً ... خالياً فاضت دموعي
قد خلا من سيد كا ... ن لنا غير مضيع
لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع
قال كردم: وكان يزيد أمر أبي أن يعلمها هذا الصوت، فعلمها إياه، فرثته به يومئذ، فلقد