فلما خرجت من عندها وحراس فرعون وعيونه على القوابل ينظرون أين يدخلن وأين يخرجن؛ فإن وجدوا قابلة تداهن أو تكتم، واطلعوا على ذلك منها قتلوها والمولود، فلما خرجت القابلة من عند أم موسى أبصرها بعض العيون، فجاء غل بابها ليدخلوا على أم موسى، وكانت أخت موسى قد سجرت تنورها لتخبز، فسمعت الجلبة بالباب فقالت: يا أمتاه! هذا الحرس بالباب. فلقت موسى في خرقة، ثم سولت لها نفسها، فوضعته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع خوفاً على موسى، وكان ذلك إلهاماً من الله عز وجل لما أراد بعبده موسى، فدخلوا فإذا التنور مسجور، وإذا أم موسى لم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لين. فقالوا لها: ما أدخل عليك القابلة؟ قالت: هي مصافية لي. فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها، فرجع إليها عقلها، فقالت لأخت موسى: فأين الصبي؟ قالت: لا أدري، فسمع صوت بكاه من التنور، فانطلقت إليه، وقد جعل الله عليه النار برداً وسلاماً، فاحتملت الصبي فأرضعته، وذلك قول الله عز وجل:" وأوحينا إلى أم موسى " بعد ذلك، وإنما كان هذا الوحي إلهاماً من الله " أن أرضعيه " فأرضعته ولا تخاف شيئاً، فذلك قوله:" فإذا خفت عليه " فاجعليه في التابوت ثم اقذفيه في اليم " ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ".
وكانت أم موسى لما حملت به كتمت أمرها جميع الناس، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله، وذلك شيء ستره الله لم أراد أن يمن به على بني إسرائيل.
فلما كانت السنة التي يولد فيها بموسى بعث فرعون القوابل وأمرهن يفتشهن النساء تفتيشاً لم يفتشنه قبل ذلك، ولم ينب بطن أم موسى ولم يتغير لونها، ولم يظهر لبنها، وكانت القوابل لا يعرضن لها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابلة، ولم يطلع أحد إلا أخته مريم، وأوحي الله إليها " أن أرضعيه فإذا خفت عليه " الآية، فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك؛ فلما خافت عليه عملت له تابوتاً مطبقاً ومهدت له فيه، ثم ألقته في البحر ليلاً كما أمرها الله، فلما