أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل، فبصر بالتابوت فقال لمن حوله من خدمه: ائتوني بهذا التابوت، فوضع بين يديه وفتحه، فوجد فيه موسى، فلما نظر إليه فرعون قال: عبارني من الأعداء. فغاظه ذلك وقال: كيف أخطأ هذا الغلام الذبح؟! وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم، وكانت من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء، وكانت أماً للمسلمين، ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم، ويدخلون عليها، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه: هذا الولد أكبر من ابن سنة، وإنما أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة، فدعه يكن قرة " عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون " بأن هلاكهم على يده، فاستحياه فرعون وومقه، القي الله عليه محبته ورأفته، وقال لمرأته: عسى أن ينفعك فأما أنا فلا أريد نفعه. ولو أن عدو الله قال في موسى كما قالت أسية: عسى أن ينفعنا، لنفعه الله به، ولكنه أبى، للشقاء الذيس كتبه الله عليه.
وحرم الله المراضع على موسى ثمانية أيان ولياليهن، كلما أتي بمرضعة لم يقبل ثديها، فرق فرعون إليه ورحمه، وطلب له المراضع، وحزنت أم موسى وبكت عليه، حتى كانت أن تبدي به، ثم تداركها الله برحمته، وربط على قلبها، وقالت لأخته: تنكري واذهبي مع الناس فانظري ماذا يفعلون به. فدخلت أخته مع القوابل على أسية نبت مزاحم، فلما رأت وجدتهم بموسى وحبهم له ورأفتهم عليه قالت:" هل أذلكم على أهل بيت يكفلونه لكن وهم له ناصحون "؟ فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر، وما عاينت وما سمعت منهم، فانطلقت أم موسى حتى انتهيت إليهم متنكرة فقالت لهم: هل تريدون ظئراً؟ قالوا: نعم. فناولوها موسى، فوضعته في حجرها، فلما شم ريح أمه عرفها فوثب إلى ثدي أمه فمصه حتى روي، فلما رده الله إلى أمه وقبل ثديها استبشرت آسية وقالت لأم موسى: إن شئت امكثي عندي ترضعين ابني هذا، فإني لم أحب حبه شيئاً قط. فقالت لها أم موسى: لا أستطيع أن أترك بيتي وولدي وزوجي وأقيم عندك، ولكن إن طابت نفسك أن تدفعيه إلي، فأذهب به إلى بيتي، فيكون عندي لا ألوه خيراً.