وذكرت أم موسى ما كان الله صنع لها في موسى فتعاسرت عليهم وعلمت أن الله مبلغ موسى ومنجز وعده. قال: فدفعت إليها ابنها، فرجعت به إلى بيتها، فبلغ من لطف الله لها ولموسى أن الله رد عليها ابنها، وعطف عليها فرعون وأهل بيته بالمنفعة حتى كأنهم كانوا من أهل بيت فرعون، من المان والسعة، فلم يزل موسى في كرامة الله عز وجل، وهو في منزل والدته، فلما ترعرع وشب وتكلم، وكانت امرأة فرعون إذا أرداته بعثت إليه، فيحمل إليها في الفرسان والخدم حتى يدخل عليها، ولما فطمته أمه ردته، فنشأ في حجر فرعون وامرأته يربيانه بأيديهما، واتخذاه ولداً، فبينا هو يلعب يوماً بين يدي فرعون، وبيده قضيب يلعب به إذ رفع القضيب فضرببه رأس فرعون، فغضب فرعون وتطير من ضربه حتى هم بقتله، فقالت آسية: أيها الملك! لا تغضب، ولا يشقق عليك، فإنه صبي صغير لا يعقل، جربه إن شئت، اجعل في هذا الطست جراً وذهباً، فانظر على أيهما يقبض، فأمر فرعون بذلك، فلما مد موسى يده ليقبض على الذهب قبض الملك الموكل به على يده فردها إلى الجمرة، فقبض عليها مويى، فألقاها في فيه، ثم قذفها حين وجد حرارتها، فقالت آسية لفرعون: أن أفل لك إنه لا يعقل شيئاً؟ فكف عنه فرعون وصدقها، وكان أمر بقتله.
ويقال: إن العقدة التي كانت في لسان موسى أثر تلك الجمرة التي التقمها.
ولما أرادت أم موسى أن تجل ولدها في التابوت انطلقت إلى نجار من مصر من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتاً صغيراً، فقال لها النجار: ما تصنعين بهذا التابوت؟ قالت: ابن لي أخبؤة في التابوت - وكرهت أن تكذب - قال: ولم؟ قالت: أخشى عليه كيد فرعون. فلما اشترت منه التابوت وحملته انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى، فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه، فلم يطق الكلام، وجعل يشير بيده، فلم يدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوا هذا المصاب، فضربوه حى أخرجوه، فلما انتهى إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم، فانطلق أيضاً يريد الأمناء، فأتاهم ليخربهم، فأخذ الله لسانه وبصره، فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئاً، فضربوه