قال أبو سليمان الخطابي: هذا حديث يطعن فيه الملحدون وأهل البدع ويغمزون به في رواته، ويقولون: كيف يجوز أن يفعل نبي الله موسى هذا الصنيع بملك من ملائكة الله، جاءه بأمر من أمره فيستعصي عليه ولا يأتمر له؟ وكيف تصل يده إلى الملك، ويخلص إليه صكه ولطمه؟ وكيف ينهنهه الملك المأمور بقبض روحه فلا يمضي أمر الله فيه؟ هذه الأمور خارجة عن المعقول مستحيلة من كل وجه.
والجواب: أن من اعتبر هذه الأمور بما جرى به عرف البشر، واستمرت عليه عادات طباعهم، فإنه يسرع إلى استنكارها والارتياب بها لخروجها عن سوم طباع البشر، وعن سنن عاداتهم إلا أنه أمر مصدره عن قدرة الله سبحانه الذي لا يعجزه شيء، ولا يتعذر عليه أمر، وإنما هو محاولة بين ملك كريم ونبي كليم، وكل واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوام البشر ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خص به من أثرة الله، واختصاصه إياه، فالمطالبة بالتسوية بينهما وبينهم فيما تنازعاه من هذا الشأن حتى يكون ذلك على أحكام طباع الآدميين وقياس أحوالهم غير واجب في حق النظر، ولله عز وجل لطائف وخصائص يخص بها من يشاء من أنبيائه وأوليائه، ويفردهم بحكمها دون سائر خلقه.
وقد أعطى موسى - صلوات الله عليه - النبوة، واصطفاه بمناجاته وكلامه، وأمده حين أرسله إلى فرعون بالمعجزات الباهرة، كالعصا واليد البيضاء، وسخر له البحر فصار طريقاً يبساً جاز عليه قومه وأولياؤه، وغرق فيه خصمه وأعداؤه. وهذه أمور أكرمه الله بها وأفرده بالاختصاص بها أيام حياته، ومدة بقائه في دار الدنيا، ثم إنه لما دنا حين وفاته، وهو بشر يكره الموت طبعاً، ويجد ألمه حساً، لطف به بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه قهراً وقسراً، لكن أرسله إليه منذراً بالموت،