وأوغل موسى في بلاد الأندلس، لم يزل يفتح مدينة حتى سرقسطة فعظم على الجند مبلغه وخافوا أن يجاوز إلى غرة، فمشوا إلى حنش بن عبد الله السبئي، فشكوا إليه أنهم يخافون أن يجتمع العدو عليهم فيهلكهم، فقام إليه حنش بعد صلاة الصبح فقال: أيها الأمير، أتأذن لي في الكلام؟ قال: تكلم أبا رشدين، قال: كنت سمعتك بإفريقية تذكر عقبة بن نافع وتقول: لقد غرر بنفسه إذ وغل في بلاد البربر حتى قتل، وتقول: أما كان له ناصح؟ وأنا ناصحك اليوم أيها الأمير، أتلتمس غنيمة افضل مما غنمت؟ أو تريد أن تطأ من أرض المشركين أكثر مما قد وطئت؟، لقد بلغك الله أن جعلك أبعد المسلمين أثراً في الجهاد، وفتح عليك ما لم يفتحه على أحد من المسلمين، وقد أحب جندك السلامة واشتاقوا إلى الأهل والولد، فانصرف راشداً أيها الأمير.
فقال موسى: قد قبلت النصيحة وشكرت عليها، فأمر بالتجهز للرجوع، ورجع من هناك إلى الأندلس.
سأل عمر بن عبد العزيز موسى بن نصير - وكانت بنو أمية تبعثه على الجيوش - عن أعجب شيء رآه في البحر. قال:
انتهينا مرة إلى جزيرة فيها ست عشرة جرة خضراء مختومة بخاتم سليمان بن داود، فأمرت بأربعة منها فأخرجت، وأمرت بواحدة منها فثقبت، فإذا شيطان رأسه وهو يقول: والذي أكرمك بالنبوة لا أعود بعدها افسد في الأرض، ثم نظر فقال: ما أرى بها سليمان وملكه، فانساح في الأرض فذهب، فأمرت بالثلاث البواقي فردت إلى مكانها.
وفي سنة ثلاث وتسعين أجدب أهل إفريقية جدباً شديداً، فخرج موسى بن نصير بالناس، وأمرهم بالصيام، وأمر بالولدان فجعلوا على حدة، والنساء على حدة، وأخرج الإبل والبقر والغنم، وخرج بأهل الذمة على حدة، ودعا يومئذ حتى انتصف النهار، وخطب الناس، فلما أراد أن ينزل قيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ قال: ليس هذا يوم ذاك، فسقوا سقياً كفاهم حيناً.