عيسى، فقتل منهم خلق، فولى الرشيد موسى بن يحيى، وضم إليه من القواد والأجناد، ومشايخ الكتاب جماعة.
قال موسى بن يحيى: قال المأمون يوماً لمحمد بن داود: إني أرى إقبال هذه السنة يدل على كثرة الغلات وانحطاط الأسعار، فاكتب إلى العمال في المبادرة ببيع الغلات.
فجلس محمد يومه كله يعمل كتاباً في ذلك، طوله وبالغ فيه، فلما كان من غد عرضه عليه، وقرأه حتى انتهى إلى آخره، فأخذ المأمون قلماً، واستمد من دواة بين يديه، وخط على أول سطر والثاني والثالث إلى آخره، وكتب في حاشيته: أما بعد: فإن للأمور أوائل يستدل بها على أواخرها، وأشياء يعرف بها ما تؤول إليه الحال منها، وربما أخطأت المخيلة، وكذبت الدليلة، ولا يعلم الغيب إلا الله، وإن أمير المؤمنين لما دل عليه إقبال هذه السنة أن سعر الطعام سينزع، فتقدم في بيع ما استباع لك من الغلات بالسعر الذي تراه صالحاً، ولا تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة إلا ما أتاك به كتاب أمير المؤمنين والسلام.
أصبح موسى بن يحيى يوماً مغموماً مفكراً؛ وكان سبب ذلك أن الرشيد دفع إليه جوهراً عظيماً خطره، وأمره بحفظه فحفظه يحيى في مجلسه تحت تكأته إلى أن يحرزه حيث يرى، فغلب على قلبه الشغل فنهض ونسيه مكانه، فذهب وذكره يحيى فطلبه في الموضع فلم يجده، فأبلغ ذلك منه، وذكر له أمر أبي يعقوب الزاجر، فأمر بإحضاره.
وقال يحيى لمن حضره: لا ينطق أحد بكلمة فيسمعها فتفسد عليه زجره، فدخل، فقال له: مسألة حضرت أنا سائلك عنها، فانظر ما هي؟ قال: نعم وأطرق طويلاً، ثم قال: تسألني عن ضالة؟ قال: نعم، فانظر ما هي؟ فجعل يتلفت يميناً وشمالاً، ثم لمس البساط بيده، وقال: هو شيء أحمر وأخضر وأبيض، هو سموط، هو في وعاء جراب أو كيس، هو جوهر.