قال: أصبت، فمن أخذه؟ قال: أحد الفراشين، ولم يقف كما وقف في المرتين الأوليين، قال: فأين هو؟ قال: في بلاعة، ولم يقف أيضاً، فقال يحيى: انظروا كل بلاعة في الدار فاطلبوه، فنظروا فإذا في واحدة أثر قلع وإصلاح، فكشف رأسها واستخرج منها جراب فيه ذلك الجوهر.
فكثر تعجب يحيى، وذهب الغم عنه وقال: يدفع إليه في وقتنا هذا خمسة آلاف درهم ويبتاع له منزل في جوارنا بخمسة آلاف درهم.
فقال أبو يعقوب: أما الخمسة آلاف فإن آخذها، وأما المنزل فلن يبتاع أبداً، قال: فازداد عجباً، ثم سأله عن زجره فقال: دخلت عليك وأنت تعلم أنه لا بصر لي، وإنما يزجر الزاجر على حواسه، وأقوى حواسه بصره، ولكن زجري على سمعي، فلم أسمع شيئاً، وسألتني فأصغيت إلى كلمة أزجر عليها، فلم أجد فاشتققت الزجر من الحال التي كنت فيها فقلت: ضالة، لأنه قد ضل عني كل شيء، يمكن التعلق به، فقلت: ضالة؟ فقلت: نعم، فعلمت أني قد أصبت، ثم قلت: ما هو؟ فجاءت مسألة أخرى، فجهدت أن أسمع شيئاً أزجر عليه فلم أسمعه، فلمست بيدي البساط، فوجدت قمع تمرة مما لعله كان في أسفل خفض بعض من دخل، فقلت: هذا من النخلة، وهو يكون أخضر وأحمر وأبيض، وهو كالسموط، إذا كان في طلعه، وهذه صفة الجوهر، فقلت: جوهر في وعاء، فقلت: أصبت، ثم قلت: من أخذه؟ فسمعت نهيق حمار فزجرت عليه، والحمار علج ولا يصل إلى مجلس المولى من العلوج غير الفراشين، فقلت: فراش، فقلت: فأين هو؟ فسمعت غلاماً يخاطب آخر ويقول: صبه في البلاعة، فزجرت على قوله، فقلت: هو في البلاعة فأصبت.
فقال له يحيى: فكيف قلت فيما أمرنا لك به؟ قال: أمرت بدفع الخمسة آلاف العاجلة فقال غلام في الصحن: نعم، فقلت: يصل، ثم قلت: يبتاع له منزل في جوارنا بخمسة آلاف درهم، فقال آخر في الصحن: لا، فقلت: إنها لا تصل.
فانصرف أبو يعقوب بالخمسة آلاف، وشرع الوكلاء في طلب المنزل.