قال: فاستنزل ودفن، قال: وأهل الفتى الذي ألقي عليه شبه عيسى قد فقدوه وهم يبكون ولا يدرون ما فعل.
فقالت مريم لأم يحيى: انطلقي بنا نزور قبر المسيح، وهم لا يرون إلا أنه عيسى.
قال: فخرجتا تمشيان مستترتين، فلما أن برزتا تركتا بعض التستر. فبينما هما تمشيان إذ تسترت مريم حين دنت من القبر، وجعلت أم يحيى لا تستتر: قالت لها مريم: ما لم لا تستترين؟ قالت: وممن أتستر؟ قالت: أو ما ترين الرجل على قبر المسيح؟ قالت لها أم يحيى: ما أرى أحداً. قالت: لا، قال: فزجت مريم أن يكون جبريل، قال: ولم يكن لها عهد بجبريل بعد الوقعة الأولى، فقالت لأم يحيى: كما أنت لا تبرحي، ومضت إلى القبر، فقال لها جبريل: يا مريم، أين تريدين؟ قال: فعرفته، فقالت: أريد قبر المسيح أسلم عليه وأحدث به عهداً.
قال: يا مريم، إن هذا ليس المسيح، إن الله قد رفع المسيح وطهره من الذين كفروا، ولكن هذا الفتي الذي ألقي عليه شبه عيسى، فأخذ وقتل وصلب، وعلامة ذلك أن أهله قد فقدوه فلا يدروه ما فعل، فهم يبكون عليه، فإذا كان يوم كذا وكذا فأتي غيضة كذا وكذا فإنك تلقين المسيح.
قال: فرجعت إلى أختها، وصعد جبريل، فأخبرت أم يحيى أن جبريل، وما أخبرها جبريل من إتيان الغيضة، فإذا هي بعيسى في الغيضة، فلما رآها أسرع إليها فأكب عليها، وقبل رأسها، وجعل يدعو لها، كما كان يفعل، وقال: يا أمه، إن القوم لم يقتلوني، ولكن الله رفعني إليه وأذن لي في لقائك، والموت يأتيك قريباً، فاصبري واذكري الله، ثم صعد عيسى، ولم تلقه إلا تلك اللقاة حتى ماتت.
وقيل: إن مريم بقيت بعد رفع عيسى خمس سنين، وكان عمرها ثلاثاً وخمسين سنة.