للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزاد الجوع على محمد بن مسلمة، فإذا هو بغلام كما عذر، حسن الوجه، فأومأ إليه، فجاءه فعرفه خبره، فقال له الغلام: عندي ما تأكل، قم، فأخذ بيده، وأدخله إلى بعض الصحون اتلي يجلس فيها الوزير، فأجلسه في صفة مقابلة للمجلس، وقال للغلمان: هاتوا.

فأحضرت مائدة عليها من النوادر التي لم ير أحسن منها. ومن سائر ما يكون للمعد، ونقل الطعام الحار والبارد والمشوي، والرجل يأكل أكل جائع، فإذا الوزير نجاح قد دخل، فالتفت إلى الصفة، فرآه فتبسم، ومضى إلى المجلس، وقال لبعض الغلمان: امض إلى الرجل فأقره مني السلام، وقل له: بحياتي عليك إن احتشمت، وكل حتى تستوفي ما تحتاج إليه.

فرد الرسول إليه، وقال: وحق رأسك، لا قصرت فيما أمرت به، وتشاغل عنه بما يحتاج إليه، والرجل يجيد الأكل، فنقل إليه من الحلوى شيء كثير، فلما فرغ وغسل يديه جاءه الغلام بالبخور فتبخر.

واستدعاه الوزير، فقال له: الحساب، فأخرجه إليه، ونظر فيه ساعة، ثم قال له: بارك الله فيك، إن أستاذي في الكتبة عمرو بن مسعدة، والله الذي لا إله إلا هو إن كان يحسن يعمل مثل هذا في صحنه، وفتح الدواة، ووقع على كل فصل منه صح، صح إلى آخره، فقبل محمد بن مسلمة يده، فقال: عد إلى أهلك آمناً، وأسرع إليهم.

وقام لينصرف، فلما بعد قال للغلام رده، فرده، فقال له: يا محمد، اجلس، إني لم أردك إلا لشيء أوصيك به في ثلاث حوائج لي، فقال: يأمر الوزير بما يشاء، قال: حاجتي إليك أولاً أني أعلم أن جيرانك لما غبت عنهم هذا الزمان، وأنت منسحب، منهم من بنى فزاد عليك في السمك، ومنهم من ترك خشبة في حائطك، ومنهم من حفر بئاً بقرب دارك، فبحسناتي عليك، إن استطلت عليهم بقربك مني، ومنزلتك عندي، واجعل هذه ثلث ما أردت أخذه منك. وأصدقاؤك وإخوانك ومعاشروك تقول: غبت فسبوني

<<  <  ج: ص:  >  >>