للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إن آدم لم يمت حتى ولد نوح في آخر الألف الأول من أيام الدنيا، لأن الله عز وجل وضع الدنيا على سبعة أيام، كل يوم مقدار ألف سنة من أيام الدنيا، فتلك سبعة آلاف سنة.

وعاش آدم ألف سنة إلا أربعين عاماً، فمات قبل أن تمضي الألف الأولى، وبعث نوح في الألف الثاني وهو ابن أربع مئة وثمانين سنة، فبعث وقد ذهب من الألف الثاني أربع مئة سنة وأربعون سنة، فلبث في قومه كما قال الله عز وجل: " ألف سنة إلا خمسين عاماً "، فتلك ألف سنة وثلاث مئة سنة وتسعون سنة منذ ولد إلى أن أغرق الله الدنيا، وعاش بعد ذلك تسعين سنة لتمام ألف وأربع مئة وثمانين سنة، فكان موته في الألف الثالث بعد أربع مئة سنة وأربعين سنة من الألف الثالث.

وكان قد فشت في قومه المعاصي، وكثرت الجبابرة، وعتوا عتواً كبيراً، وكان نوح يدعوهم ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، وكان صبوراً حليماً.

ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه حتى يترك قعيداً، ويضرب في المجالس ويطرد، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ويقول: يا رب، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

وكان لا يزيدهم ذلك إلا فراراً منه، حتى إنه يكلم الرجل فيلف رأسه بثوبه، ويجعل أصابه في أذنيه لكيلا يسمع شيئاً من كلامه، فذلك قول الله عز وجل: " جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم " يقول: نفضوا ثم قاموا من المجلس، فأسرعوا المشي، وقالوا: امضوا، فإنه كذاب.

واشتد عليه البلاء، وكان ينتظر القرن بعد القرن، والجيل بعد الجيل، فلا يأتي إلا وهو أخبث من الأول، وأعتى من الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>