للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، أحدها اللسان العربي، فكان لا يفقه بعضهم كلام بعض، وكان نوح يعبر عنهم.

قال محمد بن كعب القرظي: في قوله عز وجل: " يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " " وليس في الأرض أحد إلا نوح وأصحاب السفينة، فما بقي ظاهر من ذلك إلى يوم القيامة، لا مؤمن ولا مؤمنة، إلا دخل في السلام والبركات "، ولا بقي كافر ولا كافرة إلى يوم القيامة إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب الأليم.

قال أبو أمامة: لم يتحسر أحد من الخلائق كحسرة آدم ونوح، فأما حسرة آدم فحين أخرج من الجنة، وأما حسرة نوح فحين دعا على قومه، فلم يبق شيء إلا غرق إلا ما كان معه في السفينة، فلما رأى الله حسرته أوحى إليه: يا نوح، لا تتحسر، فإن دعوتك وافقت قدري.

ولما هبط نوح من السفينة قال الله: يا نوح، هل تعلم ما صنعت وما صنعت بك؟ وفيم استجيب لك؟ ومن أهلكت من أعدائي؟ وكيف أهلكتهم؟ يا نوح، إني خلقت خلقي لعبادتي، وأمرتهم بطاعتي، فعصوني، وعبدوا غيري، واستأثروا بمعصيتي على طاعتي حتى استوجبوا غضبي، فعذبت بمعصية العاصين من لم يعصني، وأهلكت بهلاك الخاطئين جميع خلقي، فمن مثلي؟ ومن يقدر مثل قدرتي؟ وإني أقسمت بعزتي اليوم، وأي شيء مثلي؟ ومن أوفى بعهده مني؟ إني لا أعذب بالغرق العامة بعد هذا، ولا أعذب بمعصية العاصين بعدها جميع خلقي، ولكن أجعل الدنيا دولاً بين عبادي، ثم أجزيهم يوم يجمعون عندي، وإني جعلت قوسي أماناً لعبادي وبلادي وموثقاً بيني وبين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>