وكانت القوس فيها سهم ووتر، فلما فرغ الله من هذا القول إلى نوح نزع السهم والوتر من القوس وجعلها أماناً لعباده وبلاده من الغرق.
ولما نضب الماء، ونبت الشجر، وخرج أهل السفينة، وتفرقوا في أعمالهم، جاء إبليس إلى نوح، فقال له: إن لك عندي يداً عظيمة، فسلني عما شئت، واستنصحني، فوالله لا أخونك ولا أغشك ولا أكذبك، فتأثم نوح بكلامه ومسائله، فأوحى الله إليه: أن كلمه وسله، فإني سأنطقه بحجة عليه، وموعظة لك.
قال نوح: أي عدو الله، أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك ولجنودك على ضلالتهم وهلاكهم؟ قال له إبليس: نعم الخبير سألت، إنا إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً حريصاً حسوداً جباراً عجولاً تلقفناه تلقف الأكرة، فإذا اجتمعت لنا فيه هذه الأخلاق سميناه فينا شيطاناً مريداً، لأن هذه الأخلاق رؤوس أخلاق الشياطين، وسأخبرك عن هذه الأخلاق بما نعرف: ألم تعلم أن الله أسكن أباك آدم الجنة، ثم فوضها إليه بجميع ما فيها، وحرم عليه فيها شجرة واحدة، فحمله الحرص على أن تناولها، فخرج بالحرص من جميع الجنة؟
أو لم تعلم أن قابيل بن آدم شح بأخته رغبةً عن سنة أبيه، فحمله الشح بها على أن قتل أخاه، فصيره الشح إلى القتل، والعقوق إلى النار؟ أو لم تعلم أنه هلك من هلك من قومك بالتكبر والتجبر عليك، فصاروا بذلك إلى النار؟ أو لم تعلم أن العجلة والحدة حملك على أن دعوت الله على ابنك، فغيرت دعوتك ألوان ولدك وأولاد ولدك من بعده، وورثتهم الذل والهلكة إلى يوم القيامة، ولم يكن ذنبه إليك بقدر ذلك؛ أن ضحك مما ضحك منه؟