وإن كنتم عبدتموه لأنه عرج به إلى السماء، فمع كل نفس ملكان بالليل وملكان بالنهار يعرجون إلى السماء، ما لو ذهبنا نعدهم لالتبس علينا عقولنا، واختلط علينا ذهننا، وما ازددنا في ديننا إلا تحيراً.
ثم قال: أيها القس، أخبرني عن رجل حل به الموت، الموت أهون عليه أم القتل؟ قال القس: القتل، قال: فلم لم يقتل - يعني مريم - لم يقتلها؟ فما برّ أمه من عذبها بنزع النفس.
قال القس: اذهبوا به إلى الكنيسة العظمى، فإنه لا يدخلها أحد إلا تنصر.
قال الملك: اذهبوا به.
قال الشيخ: ماذا يراد بي، يذهب بي، فلا حجة علي تغصب حجتي؟ قال الملك: لن يضرك، إنما هو بيت من بيوت ربك يذكر الله فيه.
قال الشيخ: إن كان هكذا فلا بأس به.
فذهبوا به، فلما دخل الكنيسة وضع أصبعيه في أذنيه، ورفع صوته بالأذان، فجزعوا لذلك جزعاً شديداً، وصرخوا وأثنوه، وجاؤوا به الملك.
فقال: أيها الملك أين ذهبوا بي؟ قال: ذهبوا بك إلى بيت من بيوت الله لتذكر فيه ربك. قال: فقد دخلت وذكرت فيه ربي بلساني، وعظمته بقلبي، فإن كان كلما ذكر الله في كنائسكم يصغر دينكم فزادكم الله صغاراً.
قال الملك: صدق، ولا سبيل لكم عليه.
قالوا: أبها الملك، لا نرضى حتى نقتله.
قال الشيخ: إن قتلتموني وبلغ ذلك ملكنا وضع يده في قتل القسيسين والأساقفة، وخرب الكنائس، وكسر الصلبان ومنع النواقيس، قال: يفعل؟ قال: نعم، فلا تشكوا، ففكر في ذلك. فتركوه.