فقال أبو العباس: لو سمع الأوائل هذا الشعر ما فضلوا عليه شعراً.
قال خزيمة بن أحمد الكناني: كنت في شبابي بنهر عيسى، فبت ليلة، فصليت الغداة، وقد سقط الظل على الزهرة، فاستحسنتها، ورأيت شقائق النعمان فيها، ففكرت في نفسي، وقلت: ليت شعري! من النعمان الذي نسبت هذه الريحانة إليه؟ ثم غليني النسيم؛ فنمت؛ فرأيت قائلاً يقول: النعمان ولي من أولياء الله، سأل الله أن يريه لباسه في الجنة؛ فأنبت هذه الريحانة؛ فنسبت إليه، فكان إذا رآها يقوف: رحم الله النعمان، فذكرته للبحتري، فأنشدني:" من البسيط "
إن الشقيق إذا أبصرت حمرته ... فوق السواد على أغصانه الذلل
كأنها دمعة قد غسلت كحلاً ... فاضت بها عبرة في وجنتي خجل
قال أبو العباس بن طومار: كنت أنادم المتوكل، فكنت عنده يوماً، ومعنا البحتري، وكان بين يديه غلام حسن الوجه، يقال له راح.
فقال المتوكل للفتح: إن البحتري يعشق راحاً، فنظر إليه الفتح، وأدمن النظر، فلم يره ينظر إليه.
فقال له الفتح: يا أمير المؤمنين، أرى البحتري في شغل عنه؛ فقال: ذاك دليل عليه.
ثم قال المتوكل: يا راح، خذ رطلاً بلوراً، فاملأه شراباً، وادفعه إليه.
فلما دفعه إليه بهت البحتري ينظر إليه.
فقال المتوكل: يا فتح كيف ترى؟ ثم قال: يا بحتري، قل في راح بيت شعر،