قال الأصمعي: بعث إلي الرشيد، وقد زخرف مجلسه وبالغ فيها وفي بنائها، وصنع فيها طعاماً كثيراً، ثم وجه إلى أبي العتاهية فأتاه فقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا. فأنشأ يقول: مجزوء الكامل
عش ما بدا لك سالماً ... في ظل شاهقة القصور
فقال: أحسنت ثم ماذا؟ فقال:
يسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور
فقال: ثم ماذا؟ فقال:
فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ... ما كنت إلا في غرور
فبكى هارون، فقال الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسره، فأحزنته، فقال هارون: دعه، فإنه رآنا في عمىً فكره أن يزيدنا عمىً.
قال أبو العتاهية: دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: أبو العتاهية؟ قلت: أبو العتاهية، قال: الذي يقول الشعر؟ قلت: الذي يقول الشعر، قال: عظني وأوجز، فقال: البسيط
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... وإن تمنعت بالحجاب والحرس
واعلم بأن سهام الموت قاصدة ... لكل مدرع منا ومترس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس