الخلق إليه محمداً، وكنى أبغض الخلق إليه: أبا لهب فقال: " تبت يدا أبي لهب " فقال: أخرجوه، فأخرجوني.
قال ابن السماك: قلت للرشيد هارون: يا أمير المؤمنين، إنك تموت وحدك، وتقبر وحدك، فاحذر المقام بتن يدي الجبار، والوقوف بين الجنة والنار، فإنك لا تقدم إلا على قادم مشغول، ولا يخلف إلا جاهل مغرور، يا أمير المؤمنين، إنما هو دبيب من سقم حتى يؤخذ بالكظم، وتزل القدم، ويقع الندم، فلا توبة تنال، ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال، فجعل أمير المؤمنين يبكي حتى علا صوته، فالتفت إلي يحيى بن خالد فقال: قم، فقد شققت على أمير المؤمنين منذ الليلة، فقمت وأنا أسمع بكاءه.
لما لقي الرشيد هارون الفضيل بن العياض، قال له الفضيل: يا حسن الوجه، أنت المسؤول عن هذه الأمة، قال مجاهد:" وتقطعت بهم الأسباب " قال: الوصل التي كانت بينهم في الدنيا، فجعل هارون يبكي.
حج هارون وكان يأنس بسفيان بن عيينة، فقال لسفيان: أشتهي أن أرى الفضيل بن العياض، وأسمع كلامه، فقال له سفيان: إن علم أنك أمير المؤمنين لم ينبسط، قال: فكيف الوجه فيه؟ قال: نذهب إليه جميعاً وأنت متنكر، فمضيا، فقام سفيان على الباب، فقال: السلام عليك يا أبا علي، فقال الفضيل: من أنت؟ قال: سفيان، قال: ادخل يا أبا محمد، قال سفيان: ومن معي؟ قال: ومن معك، فدخلا، فأقبل الفضيل على سفيان فتحدثا ساعة، فقال له سفيان: يا أبا علي، هذا الفتى تعرفه؟ فنظر إليه فقال سفيان: هذا هارون أمير المؤمنين، فنظر إليه الفضيل فقال: يا حسن الوجه، قد قلدت أمراً عظيماً، فاتق الله في نفسك، وكان هارون من أحسن الناس وجهاً.