كأني بهذا القصر قد باد آهله ... وأقفر منه ربعه ومنازله
وصار عميد القصر من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه ... تبكي عليه بالعويل حلائله
ثم خرج إلى طوس، فلما نزل حلوان العراق هاج به الدم، فأجمع المتطببون أن دواءه الجمار، فوجه إلى دهقان حلوان، فسأل عن النخل، فقال: ليس بهذا البلد نخلة إلا النخلتان اللتان على عقبة حلوان، فوجه إليهما من قطع إحداهما، فأكل هارون جمارها، فسكن عنه الدم، فترحل، فمر عليهما، فرأى على القائمة منهما مكتوباً: الخفيف
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من صرف هذا الزمان
أسعداني وأيقنا أن نحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان
ولعمري لو ذقتما حرق الفر ... قة أبكاكما الذي أبكاني
فقال هارون: عز والله علي أن أكون أنا نحسهما، ولو علمت بهذا الكتاب ما قطعتها ولو تلفت نفسي.
لما حضر هارون الرشيد الوفاة جاءت إحدى جواريه إليه تبكي عند رأسه، فرفع رأسه إليها، وأنشأ يقول: السريع
باكيتي من جزع أقصري ... قد غلق الرهن بما فيه
لما حضرت الرشيد الوفاة كان ربما غشي عليه فيفتح عينيه، فيغشى عليه، ثم نظر إلى الربيع واقفاً على رأسه فقال: يا ربيع الطويل
أحين دنا ما كنت أرجو دنوه ... رمتني عيون الناس من كل جانب
فأصبحت مرحوماً وكنت محسداً ... فصبراً على مكروه مر العواقب