فغنته الصوت، فقلب الفتى طرفه، فبصر بدرج في الصحن، فأمها، وتبعه الخدم، ليهدوه الطريق، ففاتهم، وصعد الدرجة وألقى نفسه إلى الأرض على رأسه، فخر ميتاً، فقال الرشيد: عجل الفتى، ولو لم يعجل لوهبتها له.
قال عمار بن كثير الواسطي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس أشد علي موتاً من هارون أمير المؤمنين، فلوددت أن الله زاد من عمري في عمره، فكبر ذلك علينا. فلما مات هارون، وظهرت تلك الفتن، وكان من المأمون ما حمل الناس على أن القرآن مخلوق، قلنا الشيخ أعلم بما تكلم به.
قال إسماعيل بن فروخ: أنشدنا أمير المؤمنين الرشيد لنفسه، وقد صعب عليه الصعود في عقبة همذان، فقال: البسيط
حتى متى أنا في حل وترحال ... وطول هم بإدبار وإقبال
ونازح الدار ما ينفك مغترباً ... عن الأحبة لا يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرصي على بالي
ولو قنعت أتاني الرزق في دعة ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال
قال زكريا بن سعد الوصيف: كان الرشيد ذات يوم في مقيله إذ رأى في منامه كأن رجلاً وقف على باب مجلسه، فضرب بيده إلى عود من الباب ثم أنشأ يقول: الطويل