حتى بلغ إلى العراقي فقال له: حاجتك؟ قال: إن كتبتها وضمنت لي عرضها مع ما يعرض أنبأتك بها، فقال: أفعل ذلك، قال: حاجتي أن أجلس مع فلانة حتى تغنيني ثلاثة أصوات، وأشرب ثلاثة أرطال، وأخبرها بما تجن ضلوعي من حبها، فقال الفضل: إنه موسوس، قال: يا هذا، قد أمرت أن تكتب ما يقول كل واحد، فاكتب ما أقول، واعرضه، فإن أجبت إليه، وإلا فأنت في أوسع العذر. فدخل الفضل مغضباً، فقرأ على الرشيد ما كتب، وقال: يا أمير المؤمنين، فيهم واحد مجنون سأل ما أجل مجلس أمير المؤمنين عن التفوه به فيه، فقال: قل ولا تجزع، فقال: قال كذا وكذا، قال: قل له: بعد ثلاث احضر لينجز لك ما سألت، وأنت تتولى الاستئذان له، ودعا بخادم، وقال: امض إلى فلانة، وقل لها حضر رجل وذكر كذا وكذا، وأجبناه إلى ما سأل، فكوني على أهبة، ثم أدى الفضل الرسالة إليه، فانصرف وحضر في اليوم الثالث، وعرف الرشيد خبره، فقال: يلقى له بحيث أرى كرسي فضة، وللجارية كرسي ذهب، وتخرج إليه، ويحضر ثلاثة أرطال، فجلس الفتى والجارية بإزائه، فحدثها والرشيد يراهما، فقال للخادم: لم تدخل لتشتو وتصيف، فأخذ رطلاً، وخر ساجداً وقال: إذا شئت أن تغني فغني: الطويل
خليلي عوجا بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنا ... ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا
تكلم منا في الوجوه عيوننا ... فنحن سكوت والهوى يتكلم
ونغضب أحياناً ونرضى بطرفناوذلك فيما بيننا ليس يعلم
فغنته، وشرب الرطل الثاني، وحادثته ساعة، فاستعجله الخادم، فخر ساجداً يبكي، وأخذ الرطل بيده، واستودعها الله، وقام على رجليه، ودموعه تستبق استباق المطر، وقال: إذا شئت غني: السريع