فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مراراً ثلاثاً، إذا نظر غضضت، وإذا شغل نظرت، فقال: يا صالح، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: في نفسك منا شيء تريد أن تقوله، قلت: نعم، حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح، وانصرف الناس، وأذن لي، وهمتني نفسي، فدخلت، وجلست، فقال: يا صالح، تقول لي ما دار في نفسك، أو أقول أنا ما دار في نفسي أنه دار في نفسك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما تأمر به، فقال: دار في نفسي أنك استحسنت ما رأيت منا، فقلت: أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول بخلق القرآن، فورد على قلبي أمر عظيم، ثم قلت: يا نفس، هل تموتين قبل أجلك، وهل تموتين إلا مرة واحدة، وهل يجوز الكذب في جد أو هزل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلا ما قلت، فأطرق ملياً ثم قال: ويحك! اسمع مني ما أقول، فوالله لتسمعن الحق، فسر عني، وقلت: يا سيدي، ومن أولى بقول الحق منك، وأنت خليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين؟ فقال: ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدراً من أيام الواثق حتى أقدم أحمد ابن أبي دواد علينا شيخاً من أهل الشام، من أهل أذنة مقيداً، وهو جميل الوجه تام القامة، حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه، ورق له، فما زال يدينه، ويقربه حتى قرب منه، فسلم الشيخ، فأحسن، ودعا، فأبلغ وأوجز، فقال له الواثق: اجلس ناظر ابن أبي دواد على ما يناظرك عليه، فقال له الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن أبي دواد يضوى ويضعف عن المناظرة، فغضب الواثق، وعاد مكان الرقة له غضباً عليه، وقال: أبو عبد الله بن أبي دواد يضوى، ويضعف عن مناظرتك أنت؟! فقال الشيخ: هون عليك يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول، قال: افعل. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة، داخلة في عقدة الدين، فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بما قلت؟ قال: نعم، قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بعثه الله إلى عباده، هل سن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما أمره الله به في أمر دينهم؟ فقال: لا، قال الشيخ: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دواد، فقال الشيخ: تكلم،