قال محمد بن النحاس: كان لا يدخل بيت مال هشام مال حتى يسهد أربعون قسامة، لقد أخذ من حقه، ولقد أعطى كل ذي حق حقه. شتم هشام بن عبد الملك رجلاً من أشراف الناس يوماً وهو مغضب، فوبخه الرجل، فقال له: أما تستحي أن تشتمني وأنت خليفة الله في الأرض؟ فاستحيا منه، فقال له: اقتص مني، قال: إذاً أنا سفيه مثلك، قال: فخذ من ذلك عوضاُ من المال، قال: ما كنت لأفعل، قال: فهبها لله، قال: هي لله، ثم هي لك، قال: فنكس هشام رأسه، وقال: والله لا أعود أبداً إلى مثلها.
قال سحبل بن محمد: ما رأيت أحداً من الخلفاء أكره إليه الدماء، ولا أشد عليه من هشام بن عبد الملك، ولقد دخله من مقتل زيد بن علي ويحيى بن زيد أمر شديد، وقال: وددت أني كنت أفتديتهما. ولقد ثقل عليه خروج زيد بن علي، فما كان شيء حتى أتي برأسه، وصلب بدنه بالكوفة. وولي ذلك يوسف بن عمر في خلافة هشام.
ولما ظهر ولد العباس عمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس إلى هشام بن عبد الملك فأمر به، فأخرج من قبره، وصلبه، وقال: هذا بما فعل بزيد بن علي، وقيل: أحرقه.
قعد هشام بن عبد الملك يوماً قريباً من حائط له، فيه زيتون، ومعه عثمان بن حيان المري، وهو يكلمه، إذ سمع هشام نفض الزيتون، فقال هشام لرجل: انطلق إليهم، فقل لهم: التقطوه لقطاً، ولا تنفضوه نفضاً، فتفقأ عيونه، وتكسر غصونه.
وكان هشام بن عبد الملك يقول: ثلاث لا يضعن الشريف: تعاهد الصنيعة، وإصلاح المعيشة، وطلب الحق وإن قل.