وإني على إشفاقها من مخافتي ... وإن عقها بي نافع لمجيرها
وكان رجل من بني منقر كاتب غلاماً له كان منشؤه البادية على ألف درهم على أن يؤديها إليه بعد حول، فسعى فيها، ومضى الحول، ولم يصل إليها، فخرج من البصرة متنكراً حتى أتى سيف كاظمة، فحمل من قبر غالب أبي الفرزدق حصيات وأتى بهن الفرزدق، وهو واقف بالمربد، يبيع إبلاً له، فألقاهن في حجره، وقال: إني مستجير غارم، قال: وما بك، لا أبالك؟ فأنشده:
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعدما ... خشيت الردى أو أن أرد على قسر
بقبر امرئ تقري المئين عظامه ... ولم يك إلا غالباً ميت يقري
فقال لي استقدم أمامك إنما ... فكاكك أن تلقى الفرزدق في المصر
فقال له الفرزدق: مالك؟ قال: إني مكاتب، وقد عجزت، قال: وكم كتابك؟ قال: ألف درهم، قال: لك ألف لكتابك، وألف معونة لك، ولك ناقة سوداء، ولك كسوة سابغة، قال: فأعطني، قال: والله لا تريم من مكانك حتى أفي لك بما قلت، فعجل ذلك ليله.
ولما وجه الحجاج بتميم بن زيد إلى السند قدم البصرة فحمل من أهلها قوماً كثيراً، وحمل معه رجلاً قصاباً، يقال له خنيس. فلما نظرت أمه إلى ذلك ركبت بعيراً لها، ولحقت بقبر غالب، فحملت منه حصيات، ثم أتت بهن الفرزدق، فألقتهن على بابه، فخرج مذعوراً، فقال: ما بك؟ قالت: ابني وواحدي، قال: وأين هو؟ قالت: مع تميم بن زيد بالسند، فدعا برجل، فقال: اكتب ما أمليه عليك، فكتب: