قال أبو عمرو بن العلاء: لم أر بدوياً أقام بالحضر إلا فسد لسانه غير رؤبة بن العجاج والفرزدق، كأنهما زادا على طول الإقامة جدة وحدة.
قال المبرد: قال لي الفتح بن خاقان: أيهما تقدم، الفرزدق أم جريراً؟ فقلت: كلاهما عندي غاية، وفي الذروة، وإنما أقول على قدر الخاطر: إذا أحببت المسامحة والسهولة، وقلة التكلف ملت إلى جرير، وإذا أحببت الركانة والرزانة ملت إلى الفرزدق.
قال أبو يحيى الضبي: لما هرب الفرزدق من زياد حين استعدى عليه بنو نهشل في هجائه أباهم أتى سعيداً، وهو على المدينة أيام معاوية، فاستجاره فأجاره، والحطيئة وكعب بن جعيل حاضراه فأنشده الفرزدق:
ترى النفر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان آلى
بني عم النبي ورهط عمرو ... وعثمان الألى غلبوا فعالا
قياماً ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
فقال الحطيئة: هذا والله الشعر، لا ما تعلل به منذ اليوم أيها الأمير، فقال كعب بن جعيل: فضله على نفسك، ولا تفضله على غيرك، فقال: بلى والله أفضله على نفسي وعلى غيري. أدركت من قبلك وسبقت من بعدك، لئن بقيت لتبرزن علينا. ثم قال له الحطيئة: يا غلام، أنجدت امك؟ قال: لا بل أبي. يريد الحطيئة: إن كانت أمك أنجدت، فإني أصبتها، فأشبهتني، فألفاه لقن الجواب فنعاه عليه