فما وجدوه كما عهدوه، فقلت له في ذلك، فقال: أطفأ الفرزدق جمرتي، وأسال عبرتي، وقرب ميتي، ثم شخص إلى اليمامة، فنعي لنا في رمضان من تلك السنة.
وقيل: إن الفرزدق عاش حتى قارب المئة، ومات سنة أربع عشرة ومئة.
وكان له من الولد لبطة وسبطة وخبطة وركضة، فانقرض عقبه.
وقيل: إن جريراً مات بعده بأربعين يوماً.
قال لبطة بن الفرزدق: رأيت أبي في النوم، فقال لي: يا بني، نفعتني الكلمة التي خاطبت بها الحسن. يعني: لما قال له: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة.
لما نعي الفرزدق إلى جرير، وهو بالبادية اعترض الطريق، فإذا أعرابي على قعود له، فقال له جرير: من أين؟ قال: من البصرة، قال: هل من حاسة خبر؟ قال: نعم، بينا أنا بالمربد فإذا جنازة عظيمة قد حفل لها الناس، فيها الحسن البصري، فقلت: من؟ قالوا: الفرزدق، فبكى جرير بكاءً شديداً، فقال له قومه: أتبكي على رجل يهجوك وتهجوه مذ أربعون سنة؟! قال: إليكم عني، فما تساب رجلان، ولا تناطح كيسان فمات أحدهما إلا تبعه الآخر عن قريب:
لعمري لئن كان المخبر صادقاً ... لقد عظمت بلوى تميم وجلت
فلا حملت بعد الفرزدق حرة ... ولاذات حمل من نفاس تعلت
هو الوافد المحبو والرافع الثأى ... إذا النعل يوماً بالعشيرة زلت