والمنايا تغدو وتروع، ولا أدري لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإن أنا مت فمري من يدفني في درع هذه الجارية، وأومأ إلى الجارية التي كلف بها، فضحكت سكينة حتى كادت تخرج من بردها، وأمرت له بألف درهم وكسى وطيب، وأمرت له بالجارية يجتمع إليها وقالت: يا أبا فراس، إنما أنت واحد منا - أهل البيت - لا يسؤك ما جرى، خذ ما أمرنا لك به، وأحسن إلى الجارية، وأكرم صحبتها. قال الفرزدق: فلم أزل أرى البركة بدعائها في نفسي ومالي.
قال أبو عبيدة: أول حمام بني بالبصرة حمام منجاب السعدي، وإن الفرزدق كان ذات يوم على باب دربه في أطمار خز إذ مرت به امرأة نبيلة برزة، فقالت له: كيف الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال: هاهنا، وأومأ إلى دربه. فلما ولجت المرأة الدرب كامشها فاحتملها، وقد علم الله ما كان بعد ذلك.
وحدث بعض أهله قال: كنت عند رأس الفرزدق ألقنه الشهادة، فكنت أقول: يا أبا فراس، قل لا إله إلا الله، فيقول:
يا رب قائلة يوماً وقد لعبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب
ثم يقول: نعم، لا إله إلا الله، إلي أن مات.
ولما احتضر الفرزدق قال:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جل عن العتاب
إلى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم علي من التراب
قال أبو عمرو بن العلاء: حضرت الفرزدق، وهو يجود بنفسه، فما رأيت أحسن ثقة بالله منه. وذلك في أول سنة عشر ومئة. فلم أنشب أن قدم جرير من اليمامة، فاجتمع إليه الناس،