للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي طالب مسلماً عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول:

بنفسي من تجنبه عزيز ... علي ومن زيارته لمام

ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام

فقال: لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري أحسن من هذا، فقالت: أقيموه، فخرج. فلما كان الغد عاد إليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول:

لولا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار

كانت إذا هجر الضجيع فراشها ... خزن الحديث وعفت الأسرار

لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار

قال: لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري ما هو أحسن من هذا، فأمرت به، فأخرج، فعاد إليها من الغد، وحولها جوار مولدات، كأن التماثيل عن يمينها وعن شمالها، فأبصر الفرزدق واحدة منهن، كأنها ظبية، أدماء، فمات عشقاً لها، وجنوناً بها، وقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كذلك، أشعر منك الذي يقول:

إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا

فقال: يا بنة رسول الله، إن لي عليك حقاً عظيماً لموالاتي لك ولآبائك، وإني صرت إليك من مكة قاصداً لك إرادة التسليم عليك، فلقيت في مدخلي إليك من التكذيب لي، وتعنيفي إياي أن أسمعك شعري ما قطع ظهري، وعيل صبري،

<<  <  ج: ص:  >  >>