يثني علي عندك، وأنا أسألك بالله أن تريه أنك قبلت شيئاً من قوله في، فإنه إنما قدم للثناء علي لوقيعة يريد يوقعها بي لديك لتصدقه فيما يقول، فضحك المأمون منه وقال: قد أمنت من ذلك فلا تخفه مني.
قال المأمون يوماً ليحيى بن أكثم: أريد أن تسمي لي ثقلاء عسكري وحاشيتي، قال: اعفني من ذلك، فلست أذكر أحداً منهم، وهم لي على ما تعلم، فكيف إن جرى مثل هذا؟ قال: فإن كنت لا تفعل فاضطجع حتى أفتل مخراقاً وأضربك به وأسمي مع كل ضربة رجلاً، فإن كان ثقيلاً تأوهت وإن يك غير ذلك سكت فأعرفه، فاضطجع له يحيى وقال: ما رأيت قاضي قضاة وأميراً ووزيراً يعمل به مثل ذا، فلف له مخراقاً دبيقياً، فضربه ضربة، وذكر رجلاً، فصاح يحيى: أوه أوه يا أمير المؤمنين في المخراق؟ آخره. فضحك حتى كاد يغشى عليه، وأعفاه من الباقين.
كان المأمون قد احتظى يحيى بن أكثم ورفع منزلته، وخص به خلصة باطنه، فدخل عليه يوماً وهو يتغذى، وعبد الوهاب بن علي إلى جانب المأمون، فسلم فرد عليه السلام، ثم قال: هلم يا أبا محمد، يا غلام وضئه، فخرج يحيى والطويلة على رأسه ليتوضأ، فقال المأمون لعبد الوهاب: أوسع لأبي محمد، فأوسع له بينه وبين المأمون. فغسل يده ودخل، فوضع طويلته عن غير إذنه، فقال المأمون لعبد الوهاب: عد إلى مكانك، وأقعد يحيى بين يديه وكان بدء ما نقمه عليه.
سئل رجل من البلغاء عن يحيى بن أكثم وابن أبي دواد أيهما أنبل؟ فقال: كان أحمد يجد مع جاريته وابنته، ويحيى يهزل مع خصمه وعدوه.
قال يحيى بن معين: كان يحيى بن أكثم يكذب، جاء إلى مصر فاشترى كتب الوراقين وأصولهم فقال: أجيزوها لي.