قال وهيب بن الورد: فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام، فخرج يلتمسه في البرية، فإذا هو قد احتفر قبراً، وأقام فيه يبكي على نفسه، فقال: يا بني، أنا أطلبك منذ ثلاثة أيام، وأنت في قبر قد احتفرته قائم تبكي فيه؟ فقال: يا أبه، ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين؟ فقال له: ابك يا بني، فبكيا جميعاً.
وفي رواية: فقال له: يا أبت، أنت حدثتني عن جبريل صلى الله عليه مسلم أنه أخبرك أن بين يدي الجنة والنار مفازة لا يطفئ حرها إلا الدموع، فقال له: فابك يا بني.
شبع يحيى بن زكريا ليلة من خبز الشعير، فنام عن جزئه حتى أصبح، فأوحى الله إليه: يا يحيى، هل وجدت داراً خيراً لك من داري؟ وجواراً خيراً لك من جواري؟ وعزتي يا يحيى، لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعةً لذاب جسمك، وزهقت نفسك اشتياقاً، ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع، وللبست الحديد بعد المسوح.
وعن مجاهد: أن يحيى بكى حتى قرحت دموعه وجنتيه، فقال له زكريا: يا بني، ما يبكيك وقد سألت الله تعالى أن يهبك لي؟ فقال: إن جبريل أخبرني أن بين الجنة والنار مفاوز لا يقطعها إلا كل بكاء.
وروي عن يحيى بن زكريا أنه قال: يا حوباه إني رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الجبار وضع كرسيه لفصل القضاء، فخررت ميتاً، يا حوباه، هذا إنما رآه روحي، فكيف لو عاينته معاينة. وقام رجل بهذا الكلام في مدينة من مدائن خراسان، فصعق جماعة فماتوا.
وعن إبراهيم بن أدهم، أنه أقبل على بعض إخوانه بطرسوس فقال له: أتحب ان تكون لله تعالى ولياً ويكون لك محباً؟ نعم قال: دع الدنيا والآخرة لله عز وجل، قال: فماذا