للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصنع؟ قال: أقبل على ربك بقلبك عليك بوجهه، فإنه بلغني أن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا: يا يحيى، إني قضيت على نفسي أن لا يحبني أحد من خلقي أعلم ذلك من نيته إلا كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، وفؤاده الذي يعقل به، فإذا كنت له كذلك بغضت إليه الاشتغال بأحد غيري، وأدمت فكرته، وأسهرت ليله، وأظمأت نهاره، أطلع عليه كل يوم سبعين نظرة، فأرى قلبه مشتغلاً بي، فأزداد من حبي في قلبه نوراً، حتى ينظر بنوري، أقربه مني، وأمسح برأسه، وأضع يدي على ألمه، فإنه لا يشكو إلي ألمه، لأنه مشغول بحبي عن ألم أوجاعه، فإنه يعرف الألم إذا فقدني من قلبه، وعندها يطلبني كما تطلب الوالدة الشفيقة ولدها إذا غاب عنها، أسمع خفقان فؤاده، فأقول: ما قال قلبه، يخفق، فيقول: حقيق على قلبي أن لا يسكن بعد إذ مننت عليه بحبك، فكيف يسكن قلبه يا يحيى وأنا جليسه، وغاية أمنيته؟! وعزتي وجلالي لأبعثنه مبعثاً يغبطه النبيون والمرسلون، ثم آمر منادياً ينادي: هذا حبيب الله وصفيه، دعاه الله إلى زيارته، فإذا جاءني رفعت الحجاب فيما بيني وبينه. فلما ذكر الحجاب صاح يحيى صيحة، فلم يفق ثلاثة أيام. قال: من لم يرض بك صاحباً فبمن يرضى؟ فكيف أصاحب خلقك، وقد دعوتني إلى مصاحبتك؟! سأل يحيى بن زكريا ربه عز وجل قال: رب، اجعلني أسلم على ألسنة الناس ولا يقولون في إلا خيراً، فأوحى الله إليه: يا يحيى، لم أجعل هذا لي، فكيف أجعله لك؟! ظهر إبليس ليحيى بن زكريا، فرأى عليه معاليق، فقال: يا إبليس، ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصبت من بني آدم، قال: فهل لي فيها من شيء؟ قال: لا، قال: فهل تصيب مني شيئاً؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة والذكر، فقال له يحيى: هل غير؟ قال: لا، قال: لا جرم والله لا أشبع أبداً. قال إبليس: ولله علي ألا أنصح مسلماً.

لقي يحيى بن زكريا إبليس في صورته، فقال له يا إبليس، أخبرني بأحب الناس إليك، وأبغض الناس إليك، قال: أحب الناس إلي المؤمن البخيل، وأبغضهم إلي الفاسق السمح، قال يحيى: وكيف ذلك؟ قال: لأن البخيل قد كفاني بخله، والفاسق السخي

<<  <  ج: ص:  >  >>