قال يزيد الرقاشي: أما أن أقوم الليل فلا أستطيع ذلك، فإذا نمت من الليل فاستيقظت، فنمت الثانية فلا أنام الله عيني. وقال: على الماء البارد السلام بالنهار.
وجوع يزيد نفسه لله ستين سنة حتى ذبل جسمه، ونهك بدنه، وتغير لونه، وكان يقول: غلبني بطني فما أقدر له على حيلة.
قال يزيد: رأيت في منامي كأني قرأت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة. فلما فرغت قال لي - أو قيل له -: هذه القراءة، فأين البكاء؟ وكان يزيد من البكائين.
قال الهيثم بن جماز: دخلت على يزيد الرقاشي في يوم شديد حره، وهو يبكي، فقال لي: ادخل يا هيثم، تعال، نبك على الماء البارد في اليوم الحار، حدثني أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل من ورد القيامة عطشان ".
وكان يزيد يبكي حتى تسقط أشفار عينيه. وكان يقول: أتروني أتهنأ بالحياة أيام الدنيا، وأنا أعلم أن الموت مصيري؟ وقيل: إنه بكى أربعين عاماً حتى تساقطت أشفاره، وأظلمت عيناه، وتغيرت مجاري دموعه.
وكان يزيد إن دخل بيته بكى، وإن شهد جنازة بكى، وإن جلس إليه إخوانه بكى، وأبكاهم، فقال له ابنه يوماً: كم تبكي يا أبت! والله لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا البكاء! فقال: ثكلتك أمك يا بني، وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن، أما تقرأ يا بني " سنفرغ لكم أيها الثقلان " أما تقرأ: " يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران " فجعل يقرأ عليه حتى انتهى: "