فعدت ودخلت إليه، فأخبرته، فقال: وما الذي رأيت من حالي؟ قلت: رأيت هندباء وخلاً ونخالة. فقال: كأنك افتقدت منزلي، وكذلك لو كانت في بيتي حرمة أكنت تفتقدها؟ قم فاخرج! أشهد لا كلمتك شهراً. قال: فخرجت، فنطح الباب وجهي، ففتحته، فمسحت الدم ومشيت. فلقيني الشبلي، فقلت: يا أبا بكر، رجل مشى في طاعة الله ينطح وجهه، ما يوجب هذا؟ قال: لعله أراد أن يجيء إلى شيء صاف فيكدره.
وقال للشبلي رجل: يا أبا بكر، اليوم يوم العيد، فأنشأ يقول: من البسيط
الناس بالعيد قد سرّوا وقد فرحوا ... وما سررت به والواحد الصمد
لمّا تيقنت أنّي لا أعاينكم ... غمّضت طرفي فلم أنظر إلى أحد
قال السلمي: وبلغني أن الشبلي كان واقفاً على قبر الجنيد، فسئل عن مسألة، فنظر إلى الرجل، ونظر إلى القبر، وقال: من الطويل
وإني لأستحييه والترب بيننا ... كما كنت أستحييه حين يراني
وقيل له: إن فلاناً رجلاً من أصحابه مات فجاءة، فقال: من الطويل
قضى الله في القتلى قصاص دمائهم ... ولكن دماء العاشقين جبار
ومات أخ من إخوان الشبلي، فعز عليه، فرجع من جنازته وهو يقول: من الكامل
سأودّع الإحسان بعدك والنّهى ... إذ حال منك البين والتوديع
ولأستقلّ لك الدموع صبابةً ... ولو أن دجلة لي عليك دموع