قال: فأنى علمت ذلك؟ قال: أرسلني الله تعالى إليهم فكذبوني.
قال: كذبوك وضربوك وسجنوك! قال: نعم.
قال: فبئس القوم قوم كذبوا نبيهم، وكذبوا رسالة ربهم، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك، وأواسيك، وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك.
قال له أرميا: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك لو لم يكن لك عليهم سلطان.
فلما سمع بخت نصر قوله تركه.
فأقام أرميا بأرض إيلياء، وأخرج أهل بيت دانيال الأكبر كتاب آمان بخت نصر فأمضاه لهم، وأخرج بهم معه فكانوا خمسة أنفس: دانيال بن حزقيل وميشائيل وميخائيل وعيصو، وحرسوس، ويقال: كان عزير معهم وعزرائيل.
والله أعلم.
وكانوا شباباً لم يبلغوا الحلم، دانيال بن حزقيل كان أعطاه الله الحكمة، وكان عبداً صالحاً كريماً على الله عز وجل.
وقال ابن عباس: إنه مزق كتاب دانيال فنشأ هؤلاء الغلمة فكانوا وصفاء وكان أكبرهم دانيال، وهو دانيال الحكيم الذي أنقذ الله به بني إسرائيل من أرض بابل فعمد بخت نصر - حين سمع كلام دانيال وحكمته ونظر إليه - إلى جب في فلاةٍ من الأرض، فألقى فيه دانيال مع شبلين، وأطبق عليه الجب وهو مغلول، وقتل على دم يحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وذلك أن ما بعث الله تعالى بخت نصر عليهم عقوبة لهم بما قتلوا يحيى وزكريا؛ وذلك أنه أمر بالموضع الذي قتل فيه يحيى وزكريا، فرأى دماءهما تغلي، فسأل عن ذلك؟ فقالوا: هي دماء نبيين، ولا تسكن حتى يقتل بكل واحد منهما سبعون ألفاً، فلما قتل بخت نصر على دمائهما هذه العدة سكنت تلك الدماء.
قال ابن عباس: لم يقتل كهلاً ولا وليداً ولا امرأة، إنما قتل أبناء الحرب وقادة الجيوش حتى استكمل هذه العدة، ودانيال في الجب مع الشبلين سبعة أيام فأوحى الله إلى نبي من بني إسرائيل كان بالشام، فقال:" انطلق فاستخرج دانيال من الجب "، فقال: يا رب! ومن يدلني عليه؟ فقال:" هو في موضع كذا وكذا يدلك عليه مركبك "، فركب أتاناً له وخرج