ذمته.
فقال أرميا: ذمة الله أولى الذمم لكم، وإنكم لا يسعكم أمان أحد في الأرض إن أخافكم الله، وإن أمان الله هو أوسع لكم.
قالوا: إن الأمر كما تقول، لو كان الله راضياً عنا، ولكن الله ساخط علينا، ولسنا نأمن سطوته أن يسلمنا إلى عدونا، فانطلقوا إلى ملك مصر.
فأوحى الله إلى أرميا أنهم لو أطاعوا أمرك ثم كنت أطبقت عليهم السماء والأرض، لجعلت لهم من بينهما مخرجاً، وما كنت لأخفرك لو أطاعوك، وإني لأقسم بعزتي لأعلمنهم أنه ليس لهم ملجأ ولا محيض إلا طاعتي، واتباع أمري، فلما وردوا على ملك مصر شكوا إليه شأنهم.
فقال: أنتم في ذمتي وجواري، فسمع بذلك بخت نصر، فأرسل إلى ملك مصر أن لي قبلك عبيداً أبقوا معي، فابعث بهم إلي مصفدين، وإلا فأذن بحرب، فكتب إليه ملك مصر: إنك كاذب ما هم بعبيد.
إنهم أبناء الأحرار، وأهل النبوة والكتاب، ولكنك ظلمتهم واعتديت، فلما سمع بذلك أرميا رحمهم، فبادر إليهم ليشهدهم.
فأوحى الله إليه: " إني مظهر بخت نصر على هذا الملك الذي اتخذوه حرزاً ".
فقال لهم ذلك أرميا، فإن لم تطيعوني أسركم بخت نصر وقتلكم، فإن آية ذلك أن الله قد أراني موضع سرير بخت نصر الذي يضعه فيه بعدما يظفر بمصر وملكها، ثم عمد فدفن أربعة أحجار في الموضع الذي يضع بخت نصر فيه سريره، ثم قال: تقع كل قائمة من سريره على حجر منها.
قال: فلجوا في رأيهم، فسار بخت نصر، فأسر الملك وبني إسرائيل، وقتل جنوده، وقسم الفيء، وأراد قتل الأساري وقد وضع سريره في ذلك الموضع، فوقعت كل قائمة منه على حجر من تلك الأحجار التي دفن أرميا.
فقال له بخت نصر: ألا أراك مع أعدائي بعد أن أمنتك وأكرمتك؟! قال له أرميا: إنما جئتهم محذراً أخبرتهم خبرك، وقد وضعت لهم علامة من تحت سريرك، وأريتهم هذا المكان الذي يوضع فيه سريرك، فإن تحت كل قائمة حجراً دفنته، فلما رفع سريره وجد مصداق ما قال، فقال لأرميا: لو أعلم أن فيهم خيراً لوهبتهم لك، وما بي إلى قتلهم من حاجة، ولكن أقتلهم غضباً لك إذ كذبوك، واتهموا نصيحتك، فقتلهم ثم لحق بأرض بابل، فأقام أرميا بمصر، واتخذ بها جنينة وزرعاً يعيش منه.
فأوحى الله تعالى إليه: " إن لك عن الزرع والمقام بأرض مصر شغلاً، فكيف تسعك أرض وأنت تعلم سخطي على قومك ولا يحزنك هذا البلاء الذي يصب على إيلياء وأهلها، فالحق بهم حتى يبلغ كتابي أجله، فإني راد بني إسرائيل تارة أخرى إلى الأرض المقدسة، ومستنقذهم من عدوهم، وناظر كيف يعملون ".
فخرج أرميا مذعوراً حتى أتى بيت المقدس، فأوحى الله