نهمته، ولا تنقضي منها رغبته، كيف يكون عابدا؟ ومن يحقر حاله ويتهم الله فيما قضى له، كيف يكون زاهداً؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه، أو ينفعه طلب العلم، والجهل قد حواه!؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه؛ يا موسى، تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره ولغيرك نوره؛ يا موسى بن عمران؛ اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك، فإن ذلك رضى ربك، واعمل خبراً فإنك لابد عامل سوءاً؛ قد وعظت إن حفظت. قال: فتولى الخضر، وبقي موسى حزيناً مكروباً يبكي.
وعن ابن عباس قال: الكنز الذي مر به الخضر لوح من ذهب، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجب لمن يعرف الموت كيف يفرح! وعجب لمن يعرف النار كيف يضحك! وعجب لمن يعرف الدنيا وتحولها بأهلها كيف يطمئن إليها! وعجب لمن يؤمن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق! وعجب لمن يؤمن بالحساب كيف يعمل الخطايا!.
وعن أبي عبد الله الملطي قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر على نبينا وعليهما الصلاة والسلام قال له موسى: أوصني، قال: كن نفاعاً ولا تكن ضراراً؛ كن بشاشاً ولا تكن غضبان؛ ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة، ولا تعير امرأ بخطيئة، وابك على خطيئتك يا بن عمران.
وعن يوسف بن أسباط قال: بلغني أن موسى قال للخضر: ادع لي، فقال له الخضر: يسر الله عليك طاعته.
وعن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل مكاتب، فقال: تصدق علي بارك الله فيك، فقال الخضر: آمنت بالله من أمر يكون. ما عندي شيء أعطيكه، قال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت السيماء في وجهك، ورجوت البركة عندك؛ فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟!