قال إسحاق: بلغني أن الخضر كان وزيره وكان معه يسايره، وكان يقال: كان ابن خالته، فبينما هو يسير معه في البحر إذ تخلف عنه الخضر، فهجم على تلك العين فشرب منها وتوضأ، فلما رجع إلى ذي القرنين أخبره، فقال له: إني أردت أمراً وفزت به أنت! فارجع عني. فحسده ورده. واغتم لذلك ذو القرنين حين فاته ما أراد؛ فقال له العلماء والحساب: لا تحزن، فإنا نرى لك أيها الملك مدةً طويلة، وإنك لا تموتإلا على أرض من حديد وسماء من خشب؛ فانصرف راجعاً يريد الروم، ويدفن كنوز كل أرض بها، ويكتب ذكر ذلك، ومبلغ ما دفن وموضعه، فيحمله معه في كتاب، حتى بلغ بابل، فرعف وهو في المسير فسقط عن دابته، فبسط له درع، وكانت الدرع إذ ذاك مثل الصفائح والجواشن، وإنما استحدث هذه الدروع داود عليه السلام، فنام على ذلك الدرع، فآذته الشمس، فدعوا له ترساً فأظلوه به، فنظر فإذا هو على حديد مضطجع، وفوقه خشب، فقال: هذه أرض من حديد وسماء من خشب، فدعا كاتبه واستعان بعلماء بابل فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من الإسكندر بن قيصر رفيق أهل الأرض ببدنه قليلاً، ورفيق أهل السماء بروحه الطويل، إلى أمه روقية ذات الصفاء التي تمتع بثمرة قلبها في دار القرب، فهي مجاورته عما قليل في دار البعد، يا روقية يا ذات الصفاء، هل رأيت معطياً لا يأخذ ما أعطى؟ ولا معيراً لا يأخذ عاريته؟ ولا مستودعاً لا يأخذ وديعته؟ يا روقية، إن كان أحد بالبكاء حقيقاً فلتبك السماء على شمسها كيف يعلوها الطمس والكسوف، وعلى قمرها كيف يعلوه السواد، وعلى كواكبها كيف تنهار وتناثر، ولتبك الأرض على خضرتها ونباتها، والشجر على ثمارها، وأوراقها كيف تتحات وتصير هشيماً، ولتبك البحار على حيتانها؛ يا أمتاه، هل رأيت نعيماً لا يزول، أو حياً دائماً، فهما مقرونان بالفناء؛ يا أمتاه، لا يبغتنك موتي فإنك كنت مستيقنةً بأني أموت، وأنا لم يبغتني الموت لأني كنت مستيقنا أني من الذين يموتون. يا أمتاه، اعتبري ولا تحزني، فكوني في مصيبتي كما كنت تحبين أن أكون في الرجال؛ يا أمتاه، أقرأ عليك السلام إلى يوم اللقاء. قال: فمات، وكان فيمن ملك الضحاك بن الأهيون بعده.
وحدث أبو جعفر عن أبيه أنه سئل عن ذي القرنين فقال: كان ذو القرنين عبداً من عباد الله صالحاً، وكان من