جاء به ذو القرنين فاستوى، فخر العلماء سجداً وقالوا: سبحان الله، إن هذا العلم ما نبلغه، فقال ذو القرنين للخضر: فأخبرنا ما هذا؟ فقال الخضر: أيها الملك، إن سلطان الله قاهر لخلقه، وأمره نافذ فيهم، وإن الله ابتلى خلقه بعضهم ببعض، فابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، وابتلى العالم بالجاهل، والجاهل بالعالم؛ وإن الله ابتلاني بك، وابتلاك بي؛ فقال له ذو القرنين: حسبك، قد أبلغت فأخبرني. قال: أيها الملك، هذا مثل ضربه صاحب الصور، إن الله سيب لك البلاد، فأوطأك منها ما لم يوطئ أحداً، فلم تشبع، وأبت نفسك إلا شرهاً حتى بلغت من سلطان الله ما لم يبلغه أحد، ولم يطلبه إنس ولا جان؛ فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور، فإن ابن آدم لن يشبع أبداً دون أن يحثى التراب. فبكى ذو القرنين ثم قال: صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل، لا جرم لا أطلب أثراً في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت. ثم ارتحل ذو القرنين راجعاً، حتى إذا كان في وسط الظلمة لقي الوادي الذي كان فيه الزبرجد، فقال الذين معه: أيها الملك، ما هذا تحتك وسمعوا خشخشةً تحتهم؟ فقال ذو القرنين: خذوا فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم؛ فأخذ الرجل منهم الشيء بعد الشيء، وترك عامتهم فلم يأخذوا شيئاً. فلما خرجوا إذا هو زبرجد، فندم الآخذ والتارك. ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل، وكان منزله بها، فقام بها حتى مات.
قال أبو جعفر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يرحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئاً حتى يخرجه إلى الناس، لأنه كان راغباً في الدنيا، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا، لا حاجة له فيها ".
قال وهب بن منبه: لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس قال له ملكها: يا ذا القرنين، صف لي الناس، قال: إن محادثتك من لا يعقل بمنزلة رجل يغني الموت، ومحادثة من لا يعقل بمنزلة رجل يبل الصخر حتى يبتل، ويطبخ الحديد يلتمس إدامه، ومحادثتك من لا يعقل بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور؛ ونقل الحجارة أيسر من محادثتك من لا يعقل.