للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السد، وكان إذا نصر على أمة أخذ منها جيشاً، فسار بهم إلى امة غيرهم، فإذا فتح الله عز وجل له، وزاد ذلك الجيش أخذ من الآخرين الذين يفتح له عليهم حتى يبلغ مكانه الذي يريد، وأتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم؛ قد احتفروا قبوراً، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور، فنكسوها وصلوا عندها، ورعوا البقل كما ترعى البهائم، وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض، فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم، فقيل له: أجب الملك ذا القرنين، فقال: مالي إليه من حاجة فأقبل إليه ذو القرنين فقال له: إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت، فها أنا ذا قد جئتك؛ فقال له: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك، فقال له ذو القرنين: مالي أراكم على الحال التي رأيت، لم أر عليها أحداً من الأمم التي رأيت؟! قال: وما ذلك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شيء، أفلا اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بها؟ فقال: إنما كرهناها لأن أحدكم لا يعطى منها شيئاً إلا تاقت نفسه ودعته إلى أفضل منه؛ فقال: فما بالكم قد حفرتم قبوراً، فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها؟! قالوا: أردنا إذا نحن نظرنا إليها تأملنا الدنيا، منعتنا قبورنا من الأمل. قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من نبات الأرض، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وركبتموها واستمتعتم بها؟ فقال: كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً لشيء من خلق ربنا عز وجل، ورأينا أن في نبات الأرض بلاغاً، وإنما يكفي ابن آدم أدنى العيش من الطعام، وإن ما جاوز الحنك لم نجد له طعماً كائناً ما كان من الطعام.

ثم بسط ملك تلك الأمة يده خلف ذي القرنين، فتناول جمجمةً وقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: ملك من ملوك الأرض، أعطاه الله عز وجل سلطاناً على أهل الأرض، فغشم وظلم وعتا، فلما رأى الله ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجيء به في آخرته. ثم يتناول جمجمةً أخرى بالية، فقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: هذا ملك ملكه الله بعده، قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والجبر، فتواضع وتخشع لله عز وجل، وعمل بالعدل في أهل مملكته، فصار كما قد ترى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجزيه في آخرته. ثم أهوى إلى جمجمة ذي

<<  <  ج: ص:  >  >>